تتعاقب حقب التاريخ وتتوالى العصور لتتقلب الأحوال بين إستضعاف وتمكين وعلو لراية الإسلام أو إرتفاع لرايات الطغيان ولكل عصر من عصور الإستضعاف طاغية ، ولكل طاغية سجون وزنازين ومعتقلات يغلقها على الأحرار وكل من أبى أن يسير في ركب الاستضعاف عبداً ذليلاً
ووراء اسوار المعتقلات عالماً آخر له مقاييس وقواعد تختلف عن مقاييس وقواعد الحياة، عالم يعلو فيه السوط  ليهوي على أجساد المصلحين الأحرار الذين أبوا الضيم ورفضوا أن يركعوا للطغاة وحملوا رسالة الإسلام ليبلغونها للعالمين يستخلصونهم بها من حياة العبودية، حتى يكون الدين لله والملك للواحد القهّار
وفي الوقت الذي تنهال فيه أبشع ألوان العذاب على الاحرار خلف تلك الاسوار كانت الرحمات واللطائف الربانية تتنزل بشكل عجيب وواقع غريب يقترب فيه عالم الشهادة من عالم الغيب.
ويقرأ المأسورون آيات القرآن كأنما تتنزل لفورها تحكي حالهم وترفع هممهم وتعينهم على الصبر والثبات وتبشرهم أن العاقبة للمتقين وأن مآل الإسلام للنصر والتمكين وفي عهد العسكر ودولة مبارك اشتد ظلام الزنازين وتلطخت جدرانها بالدموع والدماء والاحزان والالام  ولسان حال ساكنيها

وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ. [إبراهيم:12]

 وانطلاقاً من السنوات التي قضيتها خلف تلك الاسوار سطرت هذا الكتاب
محاولة متواضعة للغاية لتوثيق ووصف أقل القليل من البعد الإنساني لمآساة المأسورين الذين غيبوا ولا زالوا يغيبون فى غياهب المعتقلات


مقدمة


اكتب هذه السطور وتلك الذكريات ليس مجرد تسويدا للصفحات ولا كتابة لترف الكتابة بل اكتبها استرجاعاً لأهم وأخصب الأحداث التى مرت بى فى حياتى سنوات المعتقل التى عشتها فى سجون العسكر (عهد مبارك) عايشت فيها خبرات وتجارب إنسانية قد لا تتأتى لى فى حياتى مرة أخرى مهما عشت من السنوات , أكتب هذه الذكريات بما فيها من أحزان وأفراح وآلام وجراح وحزن وضحك وبكاء ومرح ويأس  وأمل و التى لا تنتمى لى وحدى وانما تنتمى لآلاف من المعتقلين الذين قابلتهم وعايشتهم فى ظل محنة المعتقل أجمع شتات هذه الذكريات من ذاكرتى التى نحتت فيها الآلاف من الأحداث وكذلك شهادات الاعيان والقصص المؤثرة التى أبكتنى أحياناً وأضحكتنى وأسعدتنى أحياناً أخرى هى أفراح وأحزان أجتمعت فى قالب واحد وأجمعها من أكبر مجلد كتبته متفرقا فى حياتى ألبوم الخطابات التى كنت أرسلها لزوجتى من داخل الزنزانة وقد كنت اكتبها على مناديل الورق أو القماش الذى كنا نمزقه من ملابسنا او وريقات نقتطعها من هوامش المصاحف والجرائد او اوراق الكراسات ان توفرت لنا
والسطر يحوى عشرات الكلمات بحروف صغيرة وقد خططنا بين كل سطرين من سطور الورقة سطرا اضافيا لتستوعب الورقة الصغيرة أكبر قدر ممكن من الكلمات . تلك الرسائل التى كنا نتراسلها مع ذوينا بوسائل نقل تثير الذهول سيأتى ذكرها فى باب وسائل التكيف المعيشية.
استيقظت الآن فجراً من نومى بعد رؤيتى لرؤية اعادت على شجون الماضى كأنى أعيشها مجدداً لحظة بلحظة بطريقة عجيبة حتى أن دموعى قد انسابت فى منامى فأستيقظت واذا بها تترقق فى عينى فكانت هذه الرؤية لمحة طبق الأصل من ذكريات أيام المعتقل بما تحمله من مشاعر انسانية خصبة لا يعرفها ابدا الا من عايشها بل ان من عايشها ليجد صعوبة بمرو الوقت وتراكم الزمان ان يستحضر نفس القدر من المشاعر والاحاسيس وليس المخبر او مسترجع الذكريات كالمعاين المعايش للحدث الا ان هذه الرؤية كان لها الفضل بتوفيق الله فى استيقاظ تلك المشاعر فى نفسى استيقظت من نومى لأنظر حولى فلا أكاد اصدق انى مازلت فى بيتى نهضت لاتأمل زوجتى واولادى نائمين أتأملهم واحدث نفسى متسائلا هل انا الآن مستيقظ على الحقيقة ومشاهد الأسر فى منامى كانت حلماً من الذكريات أم أن العكس هو الصحيح ولا زلت فى  أسرى و فى زنزانتى وما اراه حلما  من احلام الحرية الذى لا يفارق الاسير إلا أن تفصيلة صغيرة كانت هى الفيصل فى المسألة فانا الآن أرى أبنائى السبعة نيام أمامى فاطمأننت و حمدت الله على العافية
قمت وقد اذن لصلاة الفجر فصليت واعددت فنجاناً من القهوة وامسكت قلمى واوراقى وانطلقت استرجع لمحات من صفحات الماضى




الى من أوجه كتابى هذا ؟

اكتب كتابى هذا الى الراحمين الذين يرحمهم الرحمن اصحاب القلوب السليمة الرقيقة الحانية التى تتألم لعذابات الانسانية ومآسيها ومعاناتها فى الحياة تلك القلوب التى تتفاعل إيجابا مع مآسى البشر فى العالم ومظالمهم وخاصة مآسى المسلمين التى ملأت الأرض كما وكيفا فاصبح المسلمون فى كل اصقاع الارض مستهدفون مستباحون وتكالبت عليهم كل اجناس البشر على اختلافهم تحدوهم أيدلوجياتهم الصهيونية – الصليبية – البوذية – الوثنية – الصفوية الايرانية  الالحادية الشيوعية او العلمانية
او تحدوهم الاطماع الاستعمارية الاقتصادية و الجغرافية وفى كل بقعة من بقاع الارض يكون المسلمون هم الضحايا وتكون شريعة الاسلام هى المحاربة وتكون العقيدة الاسلامية هى المستهدفة
وفى قلب العالم الاسلامى العربى قامت دول الظلم والاستبداد سواء كانت ملكية او عسكرية او مدنية مقنعة بالديمقراطية
تلك الديمقراطية التى هى عين الظلم والاستبداد حين يستعبد البشر لاختيارات الاغلبية حتى ان كانت تلك الاغلبية فاسدة او جاهلة او مضللة
حين يساوى هذا الصندوق الاعمى بين الصالح والفاسد والعالم والجاهل والخائن والامين والكذوب والصادق والبر والفاجر والرجل والمرأة مع ان الصوت شهادة والله لم يقبل سوى شهادة المسلمين الثقات العدول وجعل شهادة المرأة العدل بنصف شهادة الرجل العدل
حين يكون صندوق التصويت حتى وان لم يتم التلاعب فيه هو الحاكم فى الناس والمشرّع لحياتهم والمنظّر لقوانينهم فتنحدر البشرية من ذلك الارتفاع السامق والذى تكون العبودية فيه لله وحده هو الحاكم والحكم وهو المشرع الاوحد والذى يفصل باوامره واحكامه بين الناس وينظم لهم حياتهم فى كل مجالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسائر مناحى الحياه عبر منظومة محكمة من الاوامر والنواهى والحدود جاءت مجملة ومفصلة فى الكتاب والسنة ومبينة للقواعد والاطر التى تحكم الاجماع والقياس والاجتهاد فى نظام محكم لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لا مجال فيه للاجتهاد البشرى المصادم للنصوص المقدسة وانما ياتى الاجتهاد البشرى والفهم العقلى المتواكب مع متغيرات الزمان والمكان والحال موافقا لتلك النصوص متظللا بظلها مستمدا شرعيته من موافقتها والانطلاق من قواعدها فلو اجتمعت عقول البشر فى العالم كله فى وقت واحد وزمان واحد وتضافرت معها عقول الاجيال السابقة بخبراتها وتراثها وعقول الاجيال اللاحقة بتطوراتها ومستجداتها لو اجتمع كل هؤلاء على اجتهاد وحكم واحد يصادم حكما قاطعا فى كتاب الخالق البارى المصور الحكيم الخبير العليم الملك لما كان امام المسلم الا اختيار حكم الملك ورد حكم البشرية على اجتماعها لان الله اعلم من البشرية ولان الله احكم من البشرية ولان الله ارحم والطف من جموع البشر من لدن ادم عليه السلام الى قيام الساعة انها تلك الشجرة المحرمة التى نهيت البشرية عن ان تاكل منها شجره العبودية لغير الله وتقديم العقل على النقل والراى على حكم السماء انها تلك الفكرة الشيطانية التى ظنت جهلا منها وكبرا ان مخلوق النار خير من مخلوق الطين انها تلك العقيدة الشيطانية سواء كانت من عالم الانسان او عالم الجان التى تناقش الامر الالهى ثم تصادمه ثم تكابر وتعانده ثم تنحية وتستبدله
مساكين هم هؤلاء فهذا العقل الذى اغتروا به والذى قادهم الى مكابرة ومعانده حكم الله هو اكبر عدو لهم وهو الذى كان السبب فى هلاكهم وشقائهم وحرمانهم من رضوان الله وجنته التى اعدها الله لمن شكر نعمة العقل وسخره فيما ينفع صاحبه الا وهو التفكر فى خلق الله وحكمة خلق الكون والحياة ونعمة الحرية فى كنف العبودية لسيد واحد وملك واحد ومدبر واحد ارحم بهم من انفسهم واعلم بما ينفعهم من انفسهم
مساكين هم هؤلاء الذين بدّلوا نعمة الله كفرا واحلوا قومهم دار البوار فقد صارت الحياة بعقولهم وشرائعهم بئيسة ظالمة مظلمة وصارت غابة للوحوش البشرية يفترسون حريات البشر وحيواتهم تحت مظلة قوانين محلية ودولية وضعوها هم بانفسهم ثم استعبدوا الناس باسمها وتحت سلطانها مساكين لانهم قد استبدلوا نعمة العقل بالهوى فاعملوا عقولهم فيما يضرهم ولا ينفعهم واستبدلوا نعمة الاسلام بالعقائد والايدلوجيات البشرية الوضعية واستبدلوا شريعة الاسلام التى تصلح الحياة بانظمة وضعية بشرية ناقصة بنقص البشر عاجزة عن اسعاد البشرية بنفس قدر عجز البشر فشريعتهم الارضية عوراء ميكافيلية مطففة تزن بميزانين للعدالة ولا تزن بميزان الحق الاوحد فويل لهؤلاء المطففين ويل لهم مما كسبت ايديهم وويل لهم مما كتبت ايديهم من كلمات وادبيات وفلسفات وتشريعات وقوانين تصادم كلمات الله واحكامه وشرائعه وادابه وهداه
مساكين هؤلاء الذين اتعسوا انفسهم من حيث ارادوا السعادة وعنتوا انفسهم من حيث ارادوا الراحة وتخبطوا وتاهوا فى الحياه كالذى يتخبطه الشيطان من المس مذبذبين بين الايدلوجيات والعقائد والافكار والانظمة والشرائع الارضية لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء
مساكين لان امامهم شريعة للفلاح وطريقا للصلاح وهديا لمن اراد الهدى ورشدا لمن شاء الرشاد ورغم كل ذلك نحّوها ليس هذا وفقط بل وحاربوها واجمعوا شركائهم ثم اتوا صفا ليقاتلوها ووصموا انصارها بالتطرف والارهاب
لا ازعم الحياد فى كتابى هذا ولا ادعيه ولا ارجوه فانا بالفعل منحاز ومائل لطرف من الاطراف نفس انحياز المرء حين يرى فى الطريق رجلا ضخما يمسك بمطرقة ينهال بها على طفل ضعيف صغير غض طرىّ برىء الملامح والسمات فهل يملك اى ذى انصاف شيئا الا ان ينحاز لذلك الطفل البرىء .
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )[النحل : 120])
فهذا هو ابو الانبياء حنيفا اى مائلا الى توحيد الله ومجافيا ومائلا عن الشرك فانطلاقا من هذه الحنيفيه اعلنت انحيازى للموحدين واعلنت انحيازى للمسلمين وجاهرت بانحيازى للمستضعفين فى الارض حتى ولو كانوا من غيرالمسلمين فهم كذلك ضحية لتلك المؤامرة البشرية الكبرى لمحاربة الاسلام ومقاتلة الشريعة حتى لا تحكم الحياة وحتى لا يهتدى لحقيقة الاسلام احد حتى وان سمحت تلك المؤامرة للبشر ان يدخلوا فى الاسلام اسما ورسما وشعائر تعبدية لا تعكر  عليهم منظومتهم فى الحياة وقوانينهم الارضية الدولية منها والمحلية
فالى هذه القلوب المسلمة الموحدة  المخبتة الى ربها  التى سلكت سبيل الايجابية فى نصرة المستضعفين قدر استطاعتهم حتى ولو بالدعاء حتى ولو بالكلمة الطيبة فى حقهم حتى ولوبالذب عنهم وعن اعراضهم وصيانة ذكرهم بين الناس والى كل المنصفين من غير المسلمين من يجتهدون ليتبينوا طريق العدل والحق والانصاف بين تلك الامواج المتلاطمة من المظالم والاهواء والافكار
الى كل هؤلاء اكتب كتابى هذا واوجه تلك الملحمة من معاناة المستضعفين من الشباب المسلم المصرى داخل تلك الزنازين التى اوصدها مبارك على مصر مرة وعلى ابنائها من الاسلاميين مرات ومرات
ولست اوجه كتابى هذا لاصحاب القلوب القاسية الجامدة التى فاقت جمود الصخور وبلادة الجمادات بل ان للجمادات احاسيس ومشاعر  فهذا هو الجزع يحن ويبكى حنينا لمحمد صلى الله عليه وسلم وها هى النار تكاد تميّز من الغيظ على الكافرين وهاهى السماء تكاد ان تنفطر والارض تكاد ان تنشق والجبال تخّر هدا ان دعوا للرحمن ولدا
فليس كتابى هذا لتلك القلوب التى لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا الا ما اشرب من هواها تلك القلوب التى تقدم مصالحها الدنيوية القريبة على دين الله وجنة اليوم الاخر فيبيعون دينهم بعرض من الحياة زائل تلك القلوب التى لا تعنيها اهات المستضعفين ولا  الام المعذبين لا سيما ان كانوا مسلمين قلوبا تنكر على الضحية ثباتها على دينها ومبادئها ولا تنكر على الجلاد وحشيته وشراسته تشد على يد الطاغية ان اضرب المستضعفين بيد من حديد فهى قلوب من حديد ودماء من جليد ونفوس قاسية طاغية دوما عن الذكر لاهية اذا ذكر الله وحده اشمئزت واذا ذكر الذين من دونة استبشروا اذا ذكرت شريعة الله والمتشرعين بها استهزئوا وانتقصوا ونكصوا واذا ذكرت النظم البشرية الارضية والمتحاكمين لها استحسنوا واستسلموا فهم مسلمون لكل شىء الا الله ومؤمنون بكل ما يدعى من دون الله من جهد بشرى منعزل عن وحى السماء مصادم له مناهض اولئكم اتباع الطاغوت والمتحاكمين الى الطاغوت وعباد الطاغوت فهم غير مخاطبون بخطابى هذا
--إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ  80   وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ 81 سورة النمل

أحلام الحرية


حين تكون الحرية حلماً يداعب منام المأسورين فيعيشون حياتهم ينعمون بالحرية فقط وهم نائمون حتى إذا استيقظوا بدأت كوابيس القيود..
 حين يكون الحلم الموحد لعشرات الآلاف من الشباب الإسلامي في ليلة واحدة أنهم يركضون يميناً ويساراً بحثاً عن هاتف يديرون أقراصه أو يضغطون أزراره ليستمعوا من الطرف الآخر لصوت زوجاتهم أو أمهاتهم و أبائهم أوأبنائهم.
فلا يجيبهم إلا الصمت المطبق ..
 ويتكرر الحلم مئات و الآف المرات بعدد الآلاف من الليالي التي يقضونها معتقلين وما ان تسير أحداث الحلم كما يشاؤون ويبدأ الطرف الآخر للمكالمة فى التحدث فإذا بهم يستيقظون.
حين تكون راحة الأسير أن يخرج في نومه من بوابة السجن ويذهب لبيته ويلقى أهله ويفرح بمجالستهم ويحتضنهم شوقاً وحباً حتى إذا أحس بأنسهم واستراح من عناء فراقهم  راوده شعور السندريلا بأن لابد له أن يرجع الآن إلى محبسه مختاراً سائراً على قدميه لأنه يعلم أن ليس من حقه الحرية في زمن العبيد..
 حين تكون القيود متعددة، والأسوار متتالية فالقيد في المعصم والمعصم في قيد معصم لشريك القيد والجميع فى العربة المصفحة وعلى نوافذها قضبان الحديد، تمر الأصابع عبر القضبان تتلمس ثغرة صغيرة من ثغرات الحرية فتصطدم بشباك الحديد، حتى إذا تجاوزت الأصابع الشباك ظنت الأصابع أنها تجاوزت القيود وشقت طريقها للحرية فإذا شباك أخرى تنتهي لها الأنامل تقطع طريق الحرية المأمول ..
 حين تكون غاية الآمال عربة مصفحة نوافذها ذات قضبان حديدية خالية من الشباك تجتاز الأيدي والأذرع القضبان تشير للسائرين في الشوارع والسيارات ترتحل من سجن لآخر ترجع الأيدي بالسلام وتشير للسائرين إشارات تغني عن الكلمات..

الحياة أم النجاة ؟





إن الحياة وسائر ما يلابسها من لذائذ وآلام، ومن متاع وحرمان... ليست هي القيمة الكبرى في الميزان... وليست هي السلعة التي تقرر حساب الربح والخسارة، والنصر ليس مقصورا على الغلبة الظاهرة، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة
إن القيمة الكبرى في ميزان الله هي قيمة العقيدة، وإن السلعة الرائجة في سوق الله هي سلعة الإيمان، وإن النصر في أرفع صوره هو انتصار الروح على المادة، وانتصار العقيدة على الألم، وانتصار الإيمان على الفتنة... وفي هذا الحادث انتصرت أرواح المؤمنين على الخوف والألم، وانتصرت على جواذب الأرض والحياة، وانتصرت على الفتنة انتصارا يشرف الجنس البشري كله في جميع الأعصار... وهذا هو الانتصار...

لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم، ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم؟ وكم كانت البشرية كلها تخسر؟ كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير، معنى زهادة الحياة بلا عقيدة، وبشاعتها بلا حرية، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد؟
سيد قطب

شهيد الفكر الاسلامى على يد الطاغية جمال عبد الناصر

منبر الزنزانة !!


منبر الزنزانة !!

استيقظت من نومى فتوضئت وارتديت قميصى الاسلامى الابيض ومسحت يدى بزجاجة العطر وخللت بها لحيتى ومشيت 3 خطوات لاصعد المنبر والمصلون يفترشون الارض من حولى والموذن يتاهب ليرفع اذان صلاة الجمعة استجمع نقاط الخطبة فى قلبى صعدت درجات المنبر الثلاثة البطانية الاولى ثم الثانية ثم الثالثة لارتفع عن الارض بمقدار ثلاث بطاطين مطوية يرفع المؤذن اذان الجمعة والمصلون يجلسون امامى على الارض الوجوه مضيئة متوضئة ولكن مهلا ليس هذا فحسب فهناك طيف ابتسامه موحدة تعلوا وجوههم جميعا ابتسامة عجيبة لم ارها فى حياتى من قبل ابتسامه تلقى العديد من التعبيرات وتسكب جملة من المشاعر ابتسامة ثقه و رضا و رسوخ وعلم و ذكاء وبصيرة ابتسامة حب واخاء لا تصدر الا عن قلوب نقية وتقية قلوب لا تعرف الشرّ او الخبث والاهم انها لا تعرف السلبية تلك السلبية التى هى العامل المشترك والشريك الاساسى فى كل شرور ومظالم العالم الانسانى فمع كل ظالم يظلم او طاغية يطغى كان هناك شريكا خفيا قاعدا سلبيا يجلس يشاهد عذابات الانسانية ولا تتحرك له ارداة لدفع الظلم عن المظلومين ونصرة لهؤلاء المستضعفين خلت الوجوه التى طالعتها امامى من هذه الملامح السلبية وحلت محلها ملامح احسبها ربانية وتذكرت قول الله تعالى
وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)
العجيب فى الامر ان موضوع الخطبة التى حضرتها كان وثيق الصلة بما تشع به هذه الوجوه انه حديث شريف وسورة قرانية تحكى قصة غلام وقرية استحقوا ان يخلد التاريخ ذكرهم والشريعة عبرهم والقران وصفهم فلا عجب انه غلام الاخدود واصحاب الاخدود وقصة الصراع بين الحق والباطل والاسلام والكفر فى صورة نموذجية تتكرر فى كل زمان ومكان بمضمون ثابت مطّرد تختلف التفاصيل والاشخاص والاسماء والبلدان والازمان والقصة هى هى والدرس هو هو وكان موضوع الخطبة مطابقا لمكان الخطبة وموضع المنبر اذ كان المنبر (منبر الزنزانة) --- إقرأ المزيد