أسلوب التعامل



 
أسلوب التعامل :
في‏ ظروف‏ التحقيق‏ الصعبة‏، وتحت‏ وطأة‏ التعذيب‏ الشديد‏، والإرهاق النفسي‏ والجسدي‏، يحاول‏ المعتقل أن يجد‏ مخرجاً‏ من‏ هذا‏ الجحيم‏، الشيطان‏ يسول‏ له‏ أن اعترف ولكن‏ ضميره‏ يصرخ لا‏ وألف لا ورغم‏ كل‏ ذلك‏ يبحث‏ عن‏ الخلاص وإذا وجد‏ المحقق‏ أن أساليبه قد‏ فشلت‏، يبحث‏ عن‏ بدائل‏، وكمائن‏ جديدة‏، ينصبها‏ للاخ‏ لكي‏ يفلت‏ منه‏ زلة‏ لسان‏، أو طرف‏ خيط تؤدي‏ إلى حل‏ لغز‏ القضية‏، والمحقق‏ يدرك‏ أن ظروف‏ التحقيق‏ تدفع‏ المعتقل للبحث‏ عن‏ حبل‏ نجاة لذلك‏ يحاول‏ أن يتلون‏ من‏ جديد‏، وأن‏ يقدم‏ فخاً‏ جديداً‏ داخل‏ طُعم‏ حبل‏ نجاة‏ جديد.. وهو‏ التعامل.

يجلس‏ ضابط‏ المخابرات‏ مع‏ الاخ‏، ويقول‏ له‏ : نريد‏ أن نتحدث‏ بصراحة‏ أنا معجب‏ بصمودك‏، ‏ورجولتك.. وأتمنى أن يكون‏ الشباب كلهم مثلك‏، وان‏ يقتدوا‏.. ولكن‏ صلابتك‏ وعدم‏ اعترافك‏ لن‏ يخرجك‏ من‏ السجنلعشرات‏ السنين‏، حتى‏ لو‏ لم‏ تعترف.. والجهاز‏ لا يوجد عنده ‏صعوبة‏ في‏ تلفيق‏ عدة‏ تهم‏ خطيرة‏ لك‏، وتحاكم‏ عليها‏ مدى‏ الحياة ولكن‏ عندي‏ رأي‏ سأقدمه لك‏، وأنت حر‏، لست‏ مجبراً‏، المهم‏ فكر‏ فيه‏ بعقلك‏ جيداً‏، وعندما‏ تصل‏ إلى قرار‏ بلغني.. والرأي‏ هو.. أننا على‏ استعداد‏ أن نطلق‏ سراحك‏ غداً‏ مقابل‏ موقف‏ منك.. أن تتعامل‏ معنا نحن‏ نضحي‏ معك‏ بكل‏ شيء.. وأنت عليك‏ أن تضحي‏ معنا‏ بشيء‏ صغير.. إذا شاهدت‏.. احد المتطرفين..او طالعت شيىء مريب ابلغنا فكر‏ في‏ هذا‏ الموضوع.. ولا‏ أريد منك‏ رداً‏ الآن.. مع‏ السلامة‏، ويصرخ‏ المحقق‏ على‏ الجندي‏ لكي‏ ينزل‏ الاخ‏ للزنزانة‏ حتى‏ يستريح.

ينزل‏ الاخ‏ إلى الزنزانة‏، وهناك‏ تتزاحم‏ في‏ رأسه‏ الأفكار.. لقد‏ صمدت، ولم‏  اعترف هل‏ يمكن‏ أن اعتقل‏ عشرات‏ السنين‏، وهل‏ ممكن‏ أن يلفقوا‏ لي‏ قضية‏ خطيرة‏، وأحكم‏ مدى‏ الحياة هل‏ أعيش هذه‏ الفترة‏ الطويلة‏ من‏ دون‏ أن اعترف مستحيل.. ولو‏ عشتها‏ بماذا‏ سأخدم الإسلام والوطن‏ في‏ السجن سأكون‏ مشلولاً‏ ولن‏ أخدم‏ لاديني‏ ولا‏ وطني‏، ‏هل‏ أقبل‏ فكرة‏ التعامل، مستحيل.. مستحيل.. إذا والمخرج مدى‏ الحياة‏ مستحيل.. تعامل‏، مستحيل وهنا‏ تتوارد‏ الأفكار في‏ هذا‏ الجو‏ القاتل وتبرز‏ فكرة‏ الخلاص‏ من‏ دون‏ مدى‏ الحياة‏ ومن‏ دون‏ التعامل أوافق على‏ التعامل‏ كحيلة‏ مرحلية‏، وعندما‏ أخرج‏ اضحك‏ عليهم‏.. وستحاول‏ النفس‏ تأكيد‏ هذه‏ الوسوسات

إن فكرة‏ التحايل‏ على‏ الامن‏ وقبول‏ التعامل‏، فكرة‏ قد‏ تقبلها‏ بعض‏ النفسيات‏ في‏ ظروف‏ التحقيق‏ الصعبة‏، ولكنها‏ فكرة‏ الشيطان).
إن رفض‏ الاخ‏ لكل‏ أضغاث الأحلام، ولكل‏ وسوسة‏ تأتيه‏ من‏ الشيطان‏، رفضه‏ لفكرة‏ التعامل‏ تعني‏ فشل‏ هذا‏ الأسلوب ولكن‏ إذا ترددت‏ نفسه وحاول‏ إقناع ذاته‏ بالخروج‏ للعمل‏ والدعوة‏، وخداع المحققين ووافق‏ على‏ الفكرة فهذا‏ يعني‏ اهتزازاً‏ داخلياً‏ قد‏ أصابه ونجح‏  الشيطان‏ في‏ الإيقاع به عندما‏ يجد‏ المحقق‏ أن المعتقل قد‏ وافق‏ على‏ فكرة‏ التعامل‏، يُسر‏ بذلك‏ ويشعر‏ أن حيلته‏ انطلت‏ على‏ الاخ‏، وإن‏ شباكه‏ ستخرج‏ مليئة‏ هذه‏ المرة لذلك‏ سيقول‏ للاخ ممتاز‏ جداً لقد‏ أحسنت الخيار‏، وأنقذت نفسك وأنا موافق فقط‏ أنا‏ لا‏ املك‏ قراراً سوف‏ أعرض‏ ذلك‏ على‏ اللجنة‏، وأنا سأويد‏ الفكرة وخلال‏ يوم‏ أو يومين‏، سأبلغك القرار ويترك‏ المعتقل‏ طوال‏ هذين‏ اليومين‏ يعيش‏ في‏ دوامة‏ الحلم‏، والخيبة‏، وبعد‏ يومين‏، يقول‏ المحقق‏ للاخ مبروك‏ لقد‏ وافقوا.. جهز؟؟ نفسك‏ إفراج فقط‏ طلبوا‏ شرطاً‏ صغيراً‏ جداً‏ أن تُبدي‏ حسن‏ نية‏، حتى‏ يثقوا‏ بك هنا‏ يظهر‏ التردد‏ والقلق‏، والتراجع‏ على‏ المعتقل ولكن‏ قبل‏ أن يتفوه‏ بكلمة‏ يعاجله‏ المحقق ما‏ بك‏ هم‏ لا يطلبون شيئاً‏ كبيراً.. أي شيء‏ تافه‏، أي شيء‏ هامشي.. لا يؤثر عليك.. وأنا سوف‏ أباشر بعمل‏ إجراءات الإفراج، وغداً‏ الساعة‏ الحادية‏ عشر‏ صباحاً‏، ستشاهد‏ الشمس‏، ‏وتستنشق‏ نسيم‏ الحرية‏.. عليك‏ فقط‏ أن تقدم‏ أي شيء‏ صغير‏، ولا تفكر‏ فيه.. انزل‏ الآن وبعد‏ ساعتين‏ سأغادر وأريد أن اقدم‏ لهم‏ أي شيء‏ صغير‏ قبل‏ أن أغادر.. وسألقاك‏ بعد‏45 يوم، جيد.

إن أسلوب التعامل‏، أسلوب قذر‏، والتفكير‏ به‏ كحيلة‏ لخداع‏ المحققين‏ هو‏ نزغ‏ من‏ الشيطان‏ للإنسان الغريزي.. الذي‏ يحمل‏ في‏ داخله‏ قابلية‏ للانهيار‏، ‏والسقوط‏، أما إنسان الفكرة الذي‏ يحمل‏ في‏ داخله‏ مقومات‏ عقائدية‏ فإنه‏ مؤهل‏ للصبر‏ والصمود.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق