التعذيب بمنع الزيارات أوسوء أوضاعها




 التعذيب بمنع الزيارات أوسوء أوضاعها

ومن وسائل الضغط الرئيسية والتعذيب فى المعتقلات هو منع الزيارة عن المعتقلين وملاقاة اسرهم لمدد طويلة تصل لسنوات متتالية وتصل فى بعض المعتقلات لعشرة سنين وتتدرج الزيارات من الزيارة الطبلية التى تقوم فيها اسرة المعتقل بالوقوف على بوابة السجن وادخال الاطعمة التى تخضع لتفتيش دقيق ويتم السماح بدخول جزء منها ومنع بعض الانواع والاصناف من الاطعمة واوانى الطعام فكان كثيرا ما يمنع الطعام الغير مطهى وكل انواع الاطعمة التى يسهل تامين ودس الرسائل والاوراق المالية فيها وسائر الممنوعات الصغيرة الحجم التى تمثل سبلا من سبل الحياة للمعتقلين كسوستة السخان على سبيل المثال  يتم اخضاع الطعام لعملية تفتيش دقيقة بعدها ينصرف الاهالى وتقوم ادارة السجن فى تجميع حقائب الزيارات البلاستيكية البيضاء التى كان الاهالى قد لصقوا عليها ورقة باسم ابنهم المعتقل او كتبوا على الحقائب بالقلام الحبرية اسمه وفى بعض الاوقات لم يكن يسمح للمعتقلين بالحصول على الشنط البلاستيكية حتى لا يستغلونها فى اى شىء يفيدهم داخل الزنزانة فيتم وضع الاطعمة المختلفة بعضها على بعض فى بطانية ميرى يقوم المعتقل باخراجها لهم من زنزانته ثم تعود اليه محتويات الزيارة مبعثرة منتهكة ولك ان تتخيل معى شعور المعتقل الذى لم يرى زوجته او اولاده اووالدية او احدا من اشقائه طوال سنوات حينما ينادى عليه السجان ان قد جاءته زيارة طعام وياخذ زيارته وقد علم ان اسرته كانت على بعد امتار قليلة منه ولم يتمكن من رؤيتهم فياخذ حقيبة زيارة يستنشقها يتلمس منها عبير اسرته وطيفهم فى عقله وقلبه ومع مرور الشهور والسنوات كنا نعرف رائحة زيارتنا وحقائبنا من وسط العديد من الزيارت فقد كنت اميز طعام زوجتى ورائحة مسحوق الغسيل التى قد غسلت به ملابسى البيضاء كانت تاتينا الزيارات فلا نبالى بما فيها من طعام او ملبس وانما كان اكثر ما يهمنا اين تم اخفاء الرسالة هذه المرة وفى اى من محتويات الزيارة سنعثر على الكلمات التى خطتها لنا زوجاتنا فى الورقة الصغير الملفوفة والمدسوسة بعناية فى محتويات الزيارة كانت الزيارة الطبلية تمثل لنا النافذة الى الحياة خارج المعتقل عبر الخطاب المدسوس فى زيارة كل واحد منا قد كتبتها زوجة بدموع العين لزوجها وكتبتها ام من نياط قلبها لولدها او صاغها اب محطم القلب على فلذة كبده وسنده فى الحياة والذى ياللمفارقة فانه ابر اولاده به واحنهم عليه واكثر صاحب له والذى منذ غيابه لم ينصلب ظهر هذا الاب طوال سنوات الغياب وسنوات اخرى ومعتقلات اخرى وترتقى الزيارة الى الزيارة السلك والتى تكون فى قاعة كبيرة يقسمها من المنتصف جدار من السلك والقضبان مزدوج يفصل بين الطبقتين طرقة ضيقة يسير فيها العساكر ذهابا وايابا للتشويش على المتزاورين بحجة تامين الزيارة وكان العدد غالبا فى تلك الزيارة يكون كبيرا جدا والاصوات تختلط وترتفع من الاهالى والمعتقلين ليستطيع كل طرف سماع الاخر فوقت الزيارة دقائق معدودة والزيارة التالية ستكون بعد فترة طويلة تصل لشهور والمسافة التى قطعها الاهالى طويلة جدا فى السفر والاجساد منهكة من مشقة السفر واجساد المعتقلين منهكة من صعوبة الاحوال فى المعتقل ومن التعذيب بكل انواعه السابق ذكرها الوضع الطبيعى لاى مسجون قد قام باستقبال زيارة من اسرته ان يكون فرحا مسرورا يشعر كانه قد خرج من محبسه حتى ولو لدقائق معدودة اما فى ظل ظروف الزيارة السلك فكان المعتقلون يعودون من الزيارة وقد ازدادت همومهم فهذا اخ لم يستطع سماع زوجته التى لم تستطع ان ترفع صوتها حياءا لانها وسط الرجال وهذا اخ لم يستطع سماع امه لوهن جسمها وضعف صوتها واخر قد سمع من اخيه جزءا من الاخبار المنقوصة التى لم يستطع تبينها فاذا بالم الشك والقلق يعتريه وهذا اخر قد استشعر من زائرة نبرة اقلقته ربما كانت متوهمة ولكن هذا ما حدث فى ظل هذه الظروف الصعبة للزيارة السلك ثم تمر السنين وتختلف الظروف والاحوال والسياسات داخل السجن لتتطور الزيارة فى بعض المعتقلات وفى بعض الاوقات الى الزيارة البطانية التى يجلس فيها الاخ مع اسرته على بطانية على الارض ويتمكن من مصافحتهم واحتضانهم والتحدث معهم وسماعهم رغم الصخب الموجود فى قاعة الزيارة الممتلئة بالزوار من اسر المعتقلين وتبدا الزيارة لتستمر ما يقارب ثلث الساعة وتمر الشهور وتزيد وقتها حتى تصل للساعتين يحياهما المعتقل وسط اسرته يرى اولاده عن قرب يتفرس ملامحهم يتحدث اليهم عن احوالهم فى مدارسهم وعن اوقاتهم وكيف يقضونها وعن حالهم مع الله وحالهم مع العبادات وماذا يقراءون ومن اين يتلقون تعاليمهم التربوية ويجلس الزوج مع زوجته يستشف احوالها النفسية واوضاعها المادية وهموم الحياة ومصاعبها معها ومع اولادهم والابن يجلس يقبل يدىّ والديه يطمئن على احوالهما الصحية ويصبرهما على فقده وان اللقاء سيكون قريبا وان الفرج فى الطريق ياتى من عند الله وهكذا اوضاع الزيارات فى المعتقل يتلاعب بها طغاة امن الدولة وواضعى الساسات فى المعتقلات يسمحون بالزيارة تارة ويمنعونها تارة يجعلونا وقت مايريدون وحيث ما يريدون طبلية او يوسعونها لتلكون سلكا او يعطون الاوامر لتكون بطانية او تعود مرة اخرى لتغلق تماما يتحكمون كما يظنون بمصائر المعتقلين ونفسياتهم ويتلاعبون بمشاعر اسرهم وقلوبهم يستخدمون حال الزيارة كوسيلة ضغط على البعض ليخون دينه وامته والحق الذى يجاهد فى سبيله ويستخدمونها ليعذبون اخر ثابت على الحق لا يداهن ولا يخشى فى الله لومة لائم اذكر يوما فى معتقل وادى النطرون -1 كان معى فى العنبر عم ّ على مختار القطان والذى ساذكر قصته فى فصل لاحق واتاه الخبر ان اخيه المريض بالقلب على باب السجن لزيارته وقد اتى رغم مرضه وكبر سنه من سفر بعيد دخل عم على وارتدى بيجامة سجن كان قد غسلها وتهيا للزيارة وبينما هو يتوجه الى باب العنبر وانا ارافقه فرحا بزيارته لعلى كنت اكثر فرحا بها منه لحبنا واحترامنا له واذا بالخبر ياتى ان ضابط امن الدولة قد رفض الزيارة رغم انها كانت زيارة اسثنائية بسبب احد الاعياد القومية فرفض الضابط خروج عم على للزيارة وعاد اخو عم عالى حزينا مهموما ليعود ويستانف رحلة العودة الشاقة اشتطت غضبا واخذت اخاطب الشاويش بحدة كيف تمنعوه من الزيارة واخيه المريض لم يره منذ سنوات طويلة ولكن قد اسمعت لو ناديت حيا وعاد عم على صابرا محتسبا يستكمل رحلة الصبر منتظرا الفرج ياتى حثيثا من عند الله لا يستطيع بشرا ان يمنعه او يرده كما حدث بالفعل مما سنبينه فى فصل لاحق عند الحديث عن قصة عم على مختار

مقتطفات من شهادة حسن على فى كتابه محنة الاسلاميين

سجن العقرب
وقد علمنا بعدما ذهبنا أن الزيارة كان تتم عبر زجاج عازل كاتم للصوت بحيث يكون كل طرف في جانب ولا يسمع أحدهم الآخر وإذا أرادوا التحدث مع بعض فيكون عبر الديكتافون، كانت هذه الطريقة تسبب معاناة لكلا الطرفين لأنه غالبا يكون أكثر من واحد يأتي في الزيارة فإذا تحدث أحد من أهله يظل الباقون صامتين أو يتحدثوا بالإشارة فقط لأنه لا يستطيع أن يتحدث أكثر من واحد فيكون مشتت بين التحدث أو فهم الإشارات فكان البعض يخرج عن شعوره ويصرخ لعل صوته يصل إلى الطرف الآخر ولكن بلا جدوى مما يسبب حالة من الانهيار والبكاء عند بعض الأهل نتيجة الصراخ بلا جدوى مما أثار ذلك الموقف مشاعر السخط والغضب عند بعض المجموعات والتي سبقتنا إلى السجن فقاموا بخلع أحد الأبواب وتكسير ذلك الزجاج أثناء الزيارة حتى ينهوا تلك المأساة.

(كانت الزيارة تمثل لنا معاناة في هذه الظروف البائسة فعندما ينادي على أحدنا بالزيارة فيخرج بسرعة من الزنزانة ليجد من يقف له في الطريق وعلى السلالم فلا يسلم من الضرب والإيذاء أثناء الذهاب إلى مكان الزيارة والتي كانت تتم عبر سلكين ولمدة دقائق معدودة ثم يخرج ليحمل أكياس الطعام الخاصة به، وكان أحد المخبرين واسمه صالح مشهور عنه الغلظة والشدة في المعاملة يقوم بتفتيش هذه الأكياس أثناء وقت الزيارة وعند خروج صاحبها يأخذ منه بعض الأطعمة إتاوة لنفسه ولا يستطيع أحد أن يعترض على ذلك ثم لا يكتفي بذلك بل يأخذ بعض قطع اللحم ويرميها للقطط المنتشرة في السجن نكاية في صاحبها، ثم تبدأ بعد ذلك رحلة العودة إلى الزنزانة حيث يحمل هذه الأكياس ويجري بسرعة وسط ضربات العساكر في الطريق فكان يسقط من البعض من شدة الجري والضرب بعض أكياس الطعام فكان يحاول أن يجمعها فكان الضرب يشتد عليه فكان أحيانا ينجح في جمع بعض الأشياء وأحيانا كثير يتركها لتدوسها الأقدام.
وكان الذي يجري ببطء يتعرض للإيذاء الشديد وكانوا لا يراعون أي حالات إنسانية مهما بلغت ففي إحدى الزيارات أبلغت أم ابنها بوفاة والده فتأثر بذلك وحزن عليه حزنا شديدا فعندما خرج حمل الأكياس ونتيجة انشغاله بحزنه على والده تباطأ في الاستجابة بالجري بسرعة إلى الزنزانة كالمعتاد فما كان من ضابط المباحث إلا أن أوقفه وأخذ منه أكياس الطعام ورماها على الأرض ثم داسوها بأقدامهم وأخذوه وعلق من قدمه على قضبان الحديد فكانت رأسه إلى أسفل كالذبيحة وهو يصرخ من شدة الضرب وشدة وضعه حيث يكاد الدم أن ينفجر في رأسه ثم تركوه يذهب إلى الزنزانة وهو لا يحمل سوى الهم والغم في صدره وكانت آثار التعذيب بادية في جسده فاجتمعت عليه عدة مصائب في وقت واحد فأخذته حالة من الإحساس بالظلم والقهر جعلته يبكي أربع ساعات متواصلة لا يكف فيها عن البكاء، ومن معه فى الزنزانة لا يدرون ماذا حدث له فكانوا يحاولون أن يخففوا عنه ويهدءوا من حالته حتى هدأت نفسه فأخبرهم بما حدث معه فأشفقوا عليه وأخذوا في مواساته في والده.)
ويقول فى موطن اخر
(حتى إن الزيارة كانت تمثل مأساة من مآسيهم التي لا تنتهي في هذا السجن فكانت تبدأ المعاناة بعدما يخرج من نودي على أسمائهم إلى الزيارة ليصطفوا خلف بعض محنيي الرؤوس يضع كل واحد يده على الذي أمامه وكان عليهم أن يسيروا تلك المسافة الطويلة إلى المكان
المخصص للزيارة وفي هذا الحر الشديد وفي هجير الصيف على الإسفلت حفاة الأقدام فكانوا يسيرون وكأنهم يمشون على الجمر فلا يكاد أحد أن يضع قدمه على الأرض حتى يرفعها بسرعة من شدة الحرارة وكان من يسير معهم من أمناء الشرطة أو العساكر يمشون في الظل ويتركونهم يقاسون ذلك العذاب بل إنه كان إمعانا منه في إذلالهم وتعذيبهم كثيرا ما يتوقف أثناء الطريق وهم ينتظرونه وكأنهم يتقلبون على الجمر، وكان منهم من يصعد على ظهر أحدهم أثناء الطريق حتى لا يجهد نفسه في المشي ولا يبالي بما أصابهم من إجهاد وهم يسيرون بهذا الوضع المخزي هذه المسافة الطويلة وكان العرق يتصبب منهم بغزارة إلى أن يصلوا مكان الزيارة وكانت الأعداد كثيفة فتبدأ الزيارة والتي لا تستمر سوى ثلاثة دقائق في أحسن أحوالها بالصراخ حتى يسمع كل منهما الآخر، فكانت تتم عبر سلكين كالمعتاد كما في بقية السجون وكان يمر في بعض الأحيان خلالهما بعض الضباط أو أمناء الشرطة ليستمع إلى الحوارات الدائرة بين كل واحد وأهله ليتأكد من تنفيذ تعليماتهم بعدم التحدث مع أحد في الخارج عما يحدث لهم في السجن وكان يتم التشديد على ذلك قبل الزيارة، وبعد أن تنتهي الزيارة يخرج كل واحد يلقى مصيره في الخارج بين ضرب وركل وصفع أثناء أخذ الطعام والذي كان يوضع كله على بعض – حتى لو كان هناك منظفات مثل الرابسو أو الصابون – في بطانية حيث كان ممنوع دخول أي أكياس بلاستيك إلى السجن، ثم تكون رحلة العودة في لهيب الشمس الحارقة فيصلون إلى الزنزانة وبعضهم يتساقط جلد قدمه من أسفل من شدة حرارة الإسفلت.) 

إقرأ أيضا : التعذيب بالحرمان من الخلوة الشرعية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق