وسائل مقاومة الحرّ
و تحسين التهوية
وضحت فى الفصل السابق كيف كان لهيب الحر فى فصل الصيف يلفحنا فى الزنازين المغلقة علينا ودرجة الحرارة تصل لما يزيد عن الخمسين درجة مئوية فكنا نلجا لتهيئة بعض الامور حتى نتمكن من تجاوز هذا الفصل العصيب من فصول السنة فكنا نقوم بصناعة مصدا للهواء من عصى خشب الاقفاص واكياس البلاستيك بحيث نقوم باخراج مكونات المصدّ قبل تجميعها من خلال قضبان الحديد للنافذة التى تعلو عن الارض بمقدار اربعة امتار وكنا نصعد للنافذة عن طريق سلم نصنعه من البطاطين الميرى التى كنا نمزقها ونحيكها على هيئة سلم درجة فوق درجة ثم نقوم بتثبيت هذا السلم والذى كنا نسميه الجمل نثبته بالنافذه حتى نستطيع الصعود عليه واخراج ايدينا من خلال القضبان الحديدية كنا نخرج اجزاء المصد خارج النافذة ثم نقوم بتجميعه وربطه فى حديد النافذة بزاوية مائلة حتى نجبر تيار الهواء البارد المار من امام النافذة على الدخول الى الزنزانة وتلطيف الجو داخلها لا سيما فى وقت الليل الذى كنا نصعد فيه على الجمل بالدور فارين من لهيب الجو داخل الزنزانة نخرج انوفنا من خلال القضبان نستنشق بعضا من الهواء البارد وفى نفس الوقت كنا نقوم بوضع زجاجات مياه الشرب امام المصدّ الهوائى بعد ان نقوم بتخييش الزجاجات بعمل كسوة للزجاجة من اقمشة الفانلات الداخلية القطنية او البدلة الميرى او قصاصات البطاطين البالية ونقوم برش المياء على القماش المغلف للزجاجات ونضعها فى مقابل تيار الهواء امام المصد الذى صنعناه وبعد عدة ساعات نستطيع ان نشرب من تلك الزجاجات ماء باردا يرطب قليلا ما نعانيه من حرارة الجو كنت دوما احب ان استيقظ فى الثانية بعد منتصف الليل اصعد على الجمل الى النافذة اتنسم نسيم الليل البارد وانظر الى السماء اتامل النجوم او البدر اذ كان هذا هو المنظر الوحيد الذى نشعر فيه بالحرية والانطلاق من قيود الاسر وكنت اطلب من الاخ المسئول عن الزنزانة وتنظيم المعيشة فيها ان يجعل نومى تحت الجمل حتى استطيع ان اصعد عليه ليلا دون خشية الوقوع على احد اخوانى وهو نائم كانت المروحة المثبته فى سقف الزنزانة لا تخفف من حرارة الجو شيئا فقط تقوم بتقليب الهواء الساخن داخل الزنزانة حتى انى حينما كنت اصعد على الجمل واكون فوق مستوى المروحة كنت اجد ان حال الجو يكون افضل نسبيا وكانت ادارة السجن تقوم بتركيب المراوح من غير مفاتيح المقاومة الخاصة بتخفيض او زيادة درجات المروحة فاما ان تعمل المروحة باقصى قوة مما قد يسبب امراضا فى عظامنا او نغلق المروحة تماما فكنا نلجا الى وسيلة مبتكرة للتحكم فى درجات المروحة كنا نحضر زجاجة بلاستيكية ونقوم بقطعها الى نصفين وناخذ النصف السفلى ونضع فيه ماءا ونقوم بغمر طرفى سلك التيار الكهربى فى هذا الماء ونقوم باضافة السكر او الملح بحيث يقوم المحلول السكرى او الملحى بعمل مقاومة كهربية كلما زادت كمية السكر او الملح زادت المقاومة الكهربية وانخفضت قوة المروحة والعكس لا عجب فى ان المعتقلين قد ابتكروا ذلك فليس منهم وفقط خريجى كليات الطب والعلوم والهندسة بل كان بيننا اساتذة فى الجامعات فى الداخل والخارج والحاصلين على الدكتوراه فى الكيمياء والذرة والهندسة وغير ذلك من العلوم اما فى الزنازين التى لم تكن بها مراوح كما فى بعض الزنازين فى المعتقلات المختلفة وكما كان الحال فى حجز لاظوغلى الذى كنا نصل فيه لفوق المائة واربعين اخ فكنا نلجا لعمل مروحة مركزية بعرض الزنزانة عن طريق ثنى البطاطين وربطها بحبل من كلا طرفيها وربطها فى جانبى الزنزانة بحيث تتوسط البطانية الزنزانة ونقوم بتحريكها بحبل فى منتصفها ذهابا وايابا وقد وضعنا فى طيات البطانية اى ثقل مركزى للمروحة مثل قطع الصابون او علب الحلاوة المتيبسة ونقوم بالتبادل بتحريك المروحة على مدار الاربع وعشرين ساعة دون توقف اذ كنا للزحام الشديد ننام بالتبادل مع بعضنا البعض فكانت المجموعة المستيقظة المرابطة تقوم بالتبادل فيمابينها على تحريك المروحة اذ لو توقفت بضعة دقائق كان الجميع يستيقظ من نومه سابحا فى عرقه الغزير من لهيب الحرّ وقد كان الواحد منا يقوم بتحريك المروحة فترة طويلة حتى يكلّ ذراعه فيبادل بذراعه الاخرى ثم يعود لذراعه الاول وهكذا بلا توقف وبعض الاخوة كانوا يقضون وقتهم فى مراجعة ورد القران فى وقت السحر وهو يمسك المصحف باحدى يدية وبالاخرى يؤرجح حبل المروحة وكنا نرى العديد من مواقف الايثار والبذل والتضحية فى مثل هذه المواقف العصيبة وكنا نقوم ايضا باستخدام اغطية الاوانى البلاستيكية الكبيرة فى التهوية الشخصية فكان كل اخ يمسك بغطاءا من البلاستيك او قطعه من الكرتون كمروحة فى يده كان الاستحمام واخذ دشا باردا من العوامل التى تهدىء من حرارة الجسم ولكن فى مثل الظروف التى كنا فيها فى الزنازين المغلقة والاعداد الكبيرة كان الاستحمام يزيد من عذابنا داخل الزنزانة اذ كانت ابخرة المياه تتصاعد وتزيد نسبة الرطوبة فى الزنزانة المغلقة فيصعب التنفس فى هذا الجو الحار الخانق كان بعض الاخوة جزاهم الله خيرا بين الحين والاخر يقوم بالامساك بفوطة كبيرة ويحركها حركه معينة بضمها وراء كتفه ثم فردها الى الامام بحركة خاطفة حتى تصنع تيارا من الهواء كانها مروحة ويقوم بالدوران على اخوانه فى الزنزانة واحدا واحدا محتسبا تعبه وجهده عند الله وهو يخفف عن اخوانه قليلا من العذاب الذى يلاقونه كنا حين يحين وقت استلام التعيين نقوم بالتلكؤ فى احضار اوعية الطعام ونتظاهر اننا نقوم بغسلها حتى يبقى باب الزنزانة مفتوحا اكبر قدر ممكن من الثوانى وكنا نقوم بتخصيص مكان النوم اسفل عقب الباب للمرضى بامراص الضدر وضيق التنفس كان حراس السجن يمرون على السور خارج نافذة الزنزانة ويقومون يتمزيق مصدات الهواء ونزعها حتى يمنعوا عنا حتى انفاس الهواء فكنا نعيد صنعها مرة اخرى وفى معتقل وادى النطرون قاموا بوضع شباكا من الحديد على القضبان الحديدية حتى لا نستطيع اخراج ايدينا ووضع المصدات او ربط احبال نقل حقائب الطعام بين الزنازين فكان الاخوة يقومون رغم ذلك بنشر شباك الحديد بمشارط الحقن مع سكب الزيت اثناء النشر حتى تتاكل شباك الحديد ونفتح فيها ثقوبا نخرج منه ايدينا