أبو مسلم
كنت أراه دوماً في طرقات العنبر يمسك بمصحفه يسير جيئة وذهاباً في خطوات هادئة وابتسامته المريحة المطمئنة تعلو وجهه كان شاباً صغيراً في أواخر العشرينات من عمره إلا أن السنوات التي فقات العشر التي قضاها في المعتقل قد حفرت في وجهه العديد من ملامح المعاناه والألم وزادتها الأوجاع والأمراض التي أصيب بها جراء أوضاع المعتقل.
إذا سلمت عليه ربط على يدك في حنان وتراه تسلم عليك ويرحب بك وينظر إليك نظرة يملأها الحب والمودة حتى إن كان لقاءك به لأول مرة يسألك عن حالك ويطمئن عليك كأنه يعرفك منذ سنوات يغالب مشاعر التعب والألم ليرسم على وجهه ابتسامة ترحاب ومودة لك يجهز نفسه لينزل مستشفى السجن ليقوم بإجراء عملية جراحية لعلها بسيطة خارج أسوار السجن ولكن لما نعانيه من الإهمال في مستشفيات السجن فهي عملية خطيرة سيقوم بإجرائها على حسابه الخاص ولولا ذلك ما أجروها له... ألقاه بعد عودته من العملية وهو منهك تعب وكأن العملية قد زادت من مرضه ومعاناته.. سألته عن ما جرى معه فإذا به يحكي إلي حلقة أخرى من حلقات التعذيب الطبي في المعتقلات ... سرقوا أمواله وصدروها وأجرو له العملية في أسوء الأوضاع وبأسوء الإجراءات المهنية الطبية وعان من الآثار الجانبية ومضاعفات العملية ولكنه كان يكتم ألامه في قلبه ويمسك لسانه عن التوجع والتألم يستعين بالله على مرضه ويسأل الله الشفاء وكان دوماً ما يقوم بمساعدة أحد الدعاة المعتقلين في توزيع الصدقات على الفقراء من المعتقلين حتى ولو بمبالغ مالية ضئيلة مائة أو مائتين من الجنيهات ليخرجونها لأسرهم التي غاب عائلها عشرات السنين ولا يجدوا كثيراً منهم ما ينفقون.
كان أبو مسلم يشتهر ببذل الخير لإخوانه ويصنع من أخلاقه نموذجاً فذاً آخر من أخلاقيات الإسلام ... كان رقيق القلب والمشاعر يتمزق قلبه لمعاناة المسلمين في سائر ربوع الأرض يقوم بجمع صور ضحايا المسلمين من النساء والأطفال والعجائز في ألبوم صور بدائي صنعه من مخلفات الورق الموى والكارتون وقصر الصور من الصحف والمجلات ليخرج به في النهاية موسوعة مصورة كاملة كلما يجدها المرء توثق جرائم اليهود في الأرض المقدسة ومذابحهم للمسلمين، تمر السنوات لنخرج من المعتقل وبينما أنا أسير في ميدان التحرير في إحدى مليونيت الثورة وجدته يقف مرتدياً حولة أنيقة كعادته في المظهر الطيب والأناقة ويرتدي قفاذين من الجلد في يديه إذ كنا في فصل الشتاء ويرفع لافتة على عصا خشبية وقد كتب فيها سطوراً مختصراً عن معاناته ومعاناة المعتقلين في سجون مبارك.إقرأ أيضا : القصة التاسعة