التعذيب بالتفتيشات و سلب أدوات المعيشة
وكانت التفتيشات تتم فى المعتقلات على عدة انماط التفتيش على بوابة السجن حال الدخول والخروج منها الى لاظوغلى او المحكمة او النيابةاو الانتقال من سجن الى اخر او عند الرجوع الى العنبر من الزيارة فى غرفة الزيارة وكذلك التفتيش الداخلى من ادار ة السجن للزنازين والتى كانت فى العديد من السنوات تتم بصورة شهرية ثم التفتيش الاكبر لمصلحة السجون والذى كان يتم كل اربعة اشهر تاتى مصلحة السجون لتجعل الزنازين على البلاط بعد ان تسلب المعتقلين غالب ادوات معيشتهم وتصادر ما تعتبره من الممنوعات وان كانت اقل ادوات المعيشة الاساسية للمعتقلين حتى الادوات التى كان مسموحا بها كان التفتيش يقوم بمصادرة كميات منها ليترك للمعتقلين الحد الادنى الذى يعنت حياتهم ولم يكن التفتيش يكتفى بذلك بل فى العديد من السنوات كانوا يدمرون الاطعمة للمعتقلين ويحطمون ادوات المطبخ ويفرغون الزيت على السكر على مساحيق الغسيل ويقومون بنزع كل انواع الخيوط والمشمع التى كانت تصنع منها ادوات المطبخ وسواتر الحمامات وحقائب الملابس فلا يخرجون من الزنزانة حتى تكون كالخرابة ثم يوسعون المعتقلين ضربا مبرحا ويعيدوهم الى الزنازين ليبدا اليوم الشاق والاجساد منهكة مصابة تعمل على اصلاح ما يمكن مما افسده التفتيش ولتبدا رحلة الصناعة اليدوية لاعادة بناء ادوات المعيشة التى تم صناعتها بعد اخر تفتيش مصلحة كان التفتيش ياتى ليجرد المعتقلين من ابسط ادوات المعيشة فكان يجردهم من الملاعق والشوك وسكاكين الطعام التى كانت تصنع من علب التونة الصفيحية والابر التى كنا نحيك بها ملابسنا والخيوط التى كنا نصنع منها شباكا وحقائب وستائر والاحزمة التى كنا نصنعها من البطاطين الميرى حتى نستطيع الصعود الى النافذة المرتقفعة ورؤية السماء وتنفس الهواء وكذلك كانوا يجردونا من كل وسائل الطاقة والحرارة من وسائل تسخين المياه وتسخين الطعام والاوانى الصفيحية وان وجد اوانى من الالومنيوم التى كنا نطهو فيها طعامنا لم يكن التفتيش الغرض منه مصادرة الممنوعات الرسمية وفقط وانما كان الغرض منه التعذيب والتضييق فى المعيشة وجعل الزنزانة جحيما لا يطاق لا مكان لرفاهية العيش فيه ليكون سجنا داخل السجن ومن انواع التفتيشات ايضا التفتيش على باب السجن او على باب العنبر عند العودة من الزيارة والذى كان تفتيشا ذاتيا لاجسام المعتقلين ولمس عوراتهم بحثا عن نقود ورقية او رسائل مخباءة فى ابدانهم بعد ان كنا نخلع قمصاننا ونقف بملابسنا الداخلية للتفتيش وفى بعض الاحيان كان الجلادون يجبرون الاخوة على التبرز على الارض بحثا عن شىء يكون مخبا فى الجهاز الهضمى للمعتقلين وبعد ان يفرغوا من التفتيش الذاتى تبدا رحلة تفتيش الامتعة والاطعمة التى كان يتم تدميرها تقريبا فقد كانوا يهرسون اصابع المحشى ويقومون بافراغ محتويات زجاجات العصير واللبن ويحطمون البيض ويمزقون اجزاء الدجاج ويغمسون اياديهم القذرة فى الخضروات المطبوخة وفى كثير من السنوات كان الضباط يامرون المخبرين بخلط انواع الزيارة على بعضها البعض او مزج مساحيق الغسيل عليها وكانت سياسة بعض المعتقلات فى العديد من السنين هو مصادرة طعام الزيارة بالكامل وترك وجبة صغير لا تكفى الا فرد واحد تخيل معى اسرة فقيرة قامت بالادخار من قوت يومها بالشهور لتجهيز زيارة طعام لابنها المعتقل ومن معه من زملاءة فى الزنزانة وتكون النتيجة ان ياكل هذا الطعام الضباط والمخبرون ولا يصل الى ابنهم سوى وجبه ضئيلة تكاد تكفى فردا يقتسمها مع زملاءه العشرين فى الزنزانة وتكون نتيجة العثور على ممنوعات فى التفتيش مثل اقلام او رسائل او نقود هو الحبس الانفرادى فى التاديب كما حدث معى مما ساذكره عند الحديث عن عنبر التأديب
من شهادة حسن على فى كتابه محنة الاسلاميين
(كانت هناك عدة أساليب مختلفة تستخدم بهدف إحداث حالة من القلق والتوتر وعدم الاستقرار وأيضا عدم الشعور بالأمان مع إطار من الإرهاب النفسي والبدني وكانت هذه هي السمة العامة في السجون كلها.
يكاد كل صباح ننتبه على وقع أقدام كثير تدخل العنبر فنستطلع الأمر فنجد أن هناك عدد من العساكر والمخبرين والضباط معهم فكنا نترقب بأي زنزانة سيبدأ بها وهل التفتيش للعنبر كله أم لدور واحد أم لبعض الزنازين أم كالعادة يقوم بتفتيش واحدة أو اثنين ثم ينصرف ويأتي في اليوم التالي أو بعد عدة أيام ليقوم بنفس الأمر فكان الجميع يستعد للإيذاء الذي سيقع عليه ويتأهل نفسيا لما سيحدث ويظل هكذا إلى أن يخرجوا من العنبر ليتكرر الأمر كلما سمع نفس الأمر، وعندما يفتح زنزانة يخرج كل من فيها في الطرقة رافعين أيديهم إلى أعلى وفي اتجاه الحائط وخلفهم العساكر يضربونهم أحيانا بالعصي وأحيانا بأيديهم وأرجلهم في أماكن مختلفة فكان العنبر كله يسمع صراخهم وينتظرون الدور عليهم، وأثناء الضرب يقوم الضابط وعدد من المخبرين برمي كل شىئ في الزنزانة على الأرض وخلطها ببعض ثم يخرج إلى زنزانة أخرى وأحيانا ينتهي ويأتي بعد ذلك.
وكان أحيانا يأخذ كل شيء في الزنزانة فقد جرد إحدى الزنازين من ملابسهم وأخذها مع بقية الأشياء ولم يترك لهم سوى بعض البطاطين وكان الجو شتاءا شديد البرودة والشبابيك مفتوحة دائما لأنها عبارة عن قضبان حديد فقط فكان يدخل تيار هواء بارد من جميع الجهات فكان من بداخلها عند النوم يجتمعون في أحد زوايا الزنزانة فبعضهم لا يستطيع أن يمدد على الأرض من شدة الرطوبة فكان ينام وهو جالس وكان يوضع عليهم البطاطين التي تركوها وقد استمر هذا الوضع إلى أكثر من شهر حتى إن الكثير منهم قد أصيب بالروماتيزم وبعضهم بعدم القدرة على الحركة وآخرين قد انحنى ظهرهم من شدة الرطوبة.
كان خالد الديب ضابط العنبر أثناء التفتيش يأمر بأن يحمل كل فرد شخص آخر فوق كتفه وهم في اتجاه الحائط وكانت العساكر تقف خلفهم وتضربهم وكان في بعض الأحيان يأمر أن يتفوهوا بكلمات خارجة عن الإسلام فعندما طلب ذلك من أحد الزنازين أثناء التفتيش والضرب ينهال عليهم وأراد أن يسمع ذلك من كل واحد على حدة فأمسك بأول شخص واقف فالتفت إليه ولا يردد سوى لا إله إلا الله ولا يزيد عليها وكان يريد أن يقول "نحن فتنة والإسلام منا برئ" ولم يستجب لطلبه رغم التعذيب الشديد الذي يقع عليه ثم تركه وذهب إلى الآخر فرد عليه بشدة غير معهودة في ذلك الوقت وقال له بأن الأمر لا يتوقف على كلمة نقولها بأفواهنا لأن الأمر عندنا أكبر من ذلك فهذه عقيدة راسخة في قلوبنا ولن تستطيع أن تمحيها من قلوبنا وافعل ما بدا لك فهذه هي أيامك ولكن سيأتي اليوم الذي نرد فيه كل هذا، فخشي أن يثير الآخرين ضده ويفلت من يده الأمر فأنهى الموضوع وخرج وأخذ معه هذين الأخوين فضربهم في خارج الزنزانة ثم ذهبوا بهما إلى التأديب فضربوهم هناك مرة أخرى ثم أدخلوهم زنزانة التأديب وتركوهم ثلاثة أيام بدون أي شيء معهم أو طعام أو شراب أو حتى الخروج لدورة المياه. هذا كرس حياته لكي يكون حائط صد أمام تطبيق الشريعة الإسلامية فقد قال في ذات يوم وكان مزهوا وقد أخذته العزة بالإثم "طالما أنا موجود لن تطبق الشريعة الإسلامية في مصر، أنا هنا في هذا المكان حجر عثرة في وجه الشريعة الإسلامية" وكان يعتبر نفسه ممثلا للنظام فى هذا المكان.
كانت هذه التفتيشات بهذه الطريقة تتم بصورة مستمرة ولكن أحيانا تتباعد المسافة الزمنية بين تفتيش وآخر وأحيانا يزيد المعدل بصورة شبه يومية وذلك بهدف إشاعة حالة من الإرهاب النفسي والتوتر والقلق لدى الموجودين في السجن بحيث تكون حياتهم غير مستقرة على الإطلاق.
(عندما كانوا يجدوا إبرة خياطة أو مسمار وكأنهم وجدوا صواريخ نووية تستحق تدمير السجن على من فيه من أجل ذلك، فعندما وجدوا مسمار في أحد الزنازين قاموا بضرب السجن كله، وفي مرة أخرى عندما صنع أحدهم شراب ليلبسه في قدمه من قطعة بطانية قديمة بسب شدة البرد قاموا بضربه والبحث في العنابر كلها عمن صنع مثله فيأخذونه ويقومون بضربه وكانوا يأخذون أي قطعة بطانية مقطوعة أو زيادة في الزنزانة).
(كان تعيين الطعام يوزع أحيانا مرة واحدة وأحيانا مرتين أثناء النهار، وبسبب عدم وجود أطباق معهم في البداية فكانوا يضعون لهم الطعام على الأرض مباشرة يصنعون حوض أو اثنين وسط كمية الأرز ويضعون فيها العدس، أما الخبز فكانوا يرمونه على الأرض ويضعون فوقه قطعة الجبن إلى أن تم بعد ذلك توزيع عدة أطباق بلاستيك لكل زنزانة وجردلا فكان الجردل مخصص للزبالة في الليل وبقية النهار وعند استلام الطعام يتم غسله واستلام الطعام فيه وكانوا أحيانا يضعون لهم الطعام فوق الزبالة.)
(كانت مصلحة السجون تقوم بصفة دورية بالتفتيش على السجن وتقوم بحملة تأديبية لتكتمل بذلك حلقات التعذيب الجهنمية وكان من أشهر ما حدث هو ذلك الذي جاء في عهد أشرف إسماعيل ضابط مباحث السجن وكان من الحوادث المشهورة والتي حفرت في ذاكرة الجميع.
فلقد جاءت جحافل القوات الخاصة وقوات الأمن المركزي لمصلحة السجون بحدهم وحديدهم وصيحاتهم وهتافاتهم وكأنهم ذاهبون إلى تحرير أراضي المسلمين الضائعة وكان قائد هذه الحملة الضابط عمر عطوة وقاموا بتقسيم أنفسهم عدة مجموعات مع كل مجموعة عدد من الضباط والمخبرين بحيث تبدأ مجموعة في الطابق الأعلى وأخرى في الطابق الأسفل ثم يلتقون في الطابق الأوسط.
ثم بدأوا في إخراج أفراد أول زنزانة بدون ملابس تماما وسط صخب وضجيج لإحداث حالة من الهلع والخوف ثم تقوم كل مجموعة من العساكر بسحبهم في الطرقات إلى مكان متسع نسبيا في أول كل طابق فكانت تقوم كل مجموعة من العساكر مكونة من أربعة أو خمسة أفراد معهم العصي والدونك والهراوات والخرازان بالاختصاص بواحد فقط فكانوا يهوون عليه جميعا في وقت واحد بما معهم في كل أجزاء جسمه ولا يبالون أين ستقع على أي مكان من جسمه فلا يفرقون بين رأس ووجه أو صدر أو أي جزء فكانت الدماء تتدفق بغزارة من معظم أجزاء الجسم على الأرض والجدران حتى يهوي على الأرض من شدة الإعياء أو يغمى عليه ومع ذلك يستمرون في ضربه بأرجلهم وأقدامهم وكان يصعد على من يسقط على الأرض أحد العساكر ويقف عليه ثم يقفز إلى أعلى ثم يهوي عليه بقدمه وكان آخر يدوس يقدمه موضع الجروح لكي يزيد من حجم الألم وكانوا يفعلون ذلك مع كل واحد فكانوا يقفون مجموعات في شكل دوائر وفي وسطهم أحد الإخوة يضربوه ومن لم يستطع خلع ملابسه كانوا يشقونها بأيديهم أثناء الضرب، وكانوا لا يبالون بصرخاتهم أو استغاثاتهم والتي تضيع سدى في وسط هذا الضجيج فكان الدم يتدفق على وجه أحدهم وعلى جسمه بعدما انفصلت جزء من فروة رأسه أو آخر قد كسرت يديه وهو يحاول أن يحمي رأسه من الضربات العشوائية بالعصي وآخر قد انفصلت شبكية عينه وهناك الكثير من الحالات الأخرى، وكان الصراخ يملأ جنبات السجن حتى كأن جدرانه تئن من كثرة الصراخ وصيحات الألم، وكان يقف في وسط هذه المذبحة وبركة الدم تحيط به عمر عطوة ليحث جنوده على المزيد ويقول لهم بأعلى صوته نريد ناس تموت اليوم فيصابوا بحالة من الهستيرية في الضرب، وفي جهة أخرى يقف مجموعة من الضباط يهزءون ويسخرون من هؤلاء المعذبون فيقول أحدهم ساخرا يا معشر قريش ارفعوا أيديكم عن أتباع محمد بطريقة الأفلام ثم يضحكون وهذا الأمر ليس بغريب فقد وقف أحدهم قبل ذلك أثناء دخول إحدى الترحيلات وأجزاء اللحم تتطاير من حوله نتيجة السياط وجثث على الأرض سقطت من الإعياء وقال بأعلى صوته – ناسيا ضعفه ومتحديا عزة الله وقدرته – أعل هبل - كبرت كلمة تخرج من أفواههم – وكان أشرف إسماعيل يقف وسط هذا المشهد ومعه خنجر يضرب به على قضبان الحديد).
(حتى إذا ما انتهوا من ذلك كان مجموعة أخرى من العساكر تقف على جنبات الطريق يضربون كل من يمر بهم ويأمرونهم بالجري بسرعة إلى الزنزانة وكان البعض يسقط نتيجة حالة الارتباك والسرعة فكان يسقط عليه من يجري خلفه نتيجة الاندفاع فيزداد الضرب عليهم أما المغمى عليهم وما أكثرهم فكانوا يجرونهم من أرجلهم على الأرض ثم يدفعونهم إلى داخل الزنزانة ويغلقون عليهم الباب ويتركونهم هكذا بلا ملابس بتاتا أو طعام حتى كان أكثرهم لا يستطيع أن ينام على أي جنب من كثرة الجروح والألم وكانت الدماء تتساقط من معظم جسمهم فما من موضع إلا وقد ناله قسط من الأذى فكانوا لا يقوون على القيام للصلاة فيؤدونها وهم جلوس كذلك كانوا يذهبون إلى دورة المياه وهم يزحفون على أيديهم وأرجلهم حتى يستطيعوا قضاء حاجتهم.)
كانوا يفعلون في كل زنزانة مثل التي قبلها حتى زنازين المرضى لم يرحموهم أو زنازين صغار السن والذين هم في القانون أطفال حيث إن أعمارهم تتراوح ما بين ثلاثة عشر وخمسة عشر عاما ولم يتركوا أيضا كبار السن فلم يرفقوا بهم ولا بشيبتهم ولا عجزهم وعندما قال أحد الإخوة أثناء الضرب ارحموا هذا الشيخ لأنه كبير السن وأشار إلى أحد الإخوة فناله من الإيذاء ما ناله من جراء هذه الكلمة وكذلك لم يسلم الشيخ من الإيذاء أيضا.
كان ذلك هو يوم الخميس وقد باتوا وهم يحاولون أن يضمدوا جراحاتهم ولكن كان لا يوجد علاج أو قطعة قماش يمسحون بها آثار الدماء أو قطعة قطن يضعونها على الجروح التي تنزف.
وفي اليوم التإلي حيث كان يوم الجمعة وهو يوم إجازة من الضرب وإن كان غير ذلك من السب والشتائم أثناء توزيع التعيين أو غير ذلك وكان لا يأتي تفتيش في ذلك اليوم حسب المعتاد كما أن قوات المصلحة لا تأتي إلا يوم واحد فقط أيضا وهي بالتأكيد قد رحلت يوم الخميس بعد الانتهاء من السجن كله ولكن فجأة بدأت صيحات الجنود تتعالى وتملأ جنبات السجن رعبا وهلعا فماذا سيفعلون مع هذه الأشلاء الممزقة فكان أحد لا يتصور أن تأتي مرة ثانية ولكن كان وقع أقدامهم يدل على أنهم يصعدون السلم فكانت الدهشة بادية على وجوه الجميع فالكل لا يستطيع أن يقف على قديمه إما من الإعياء أو بسبب الضرب عليها من الفلكة هذا فضلا على أن يلمس أحد أي جزء من جسمه نتيجة وجود جراح والتهابات في معظم أجزاء الجسم ولكنهم كانوا لا يبالون بحياة أحد سواء ممزق أشلاء أو مشرف على الموت، وبدأوا في فتح الزنازين وسط صيحاتهم وصخبهم ويأمروا الجميع أن يقف ووجهه إلى الحائط ويهددون ويتوعدون كل من لا يستطيع أن يقف فبدأ الناس يتحاملون على أنفسهم في الوقوف وكان خلف كل واحد عسكري في يده حزامه الميري وأخذ يضرب به على هذه الجراح التي لم تلتئم بعد بل كان بعضها لا يزال تتساقط منه الدماء فكانت الضربات تنزل على الجروح والالتهابات وكأنها أسياخ من نار فكان البعض يسقط مغشيا عليه من شدة الألم والآخرين كانت صرخاتهم محملة بالألم نتيجة هذه الأسياخ الملتهبة ولكن ذلك لم يمنعهم من الاستمرار في الضرب وكأن قلوبهم قد تحجرت بل إن من الحجارة لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله كما أخبر ربنا بذلك أما هؤلاء فكانت قلوبهم أشد من الحجارة وكانوا يفعلون ذلك في كل زنزانة حتى انتهوا من السجن كله.
وفي اليوم الثالث قاموا بضرب بعض الزنازين بالرغم من أنهم وجدوهم جثث هامدة ولم يكن ذلك ليشفع لهم واستمروا في ضربهم حتى انتهوا من مهمتهم.
ثلاثة أيام متواصلة من الضرب بهذه الوحشية ولم يتركوا السجن إلا ووضع من فيه تدمى له القلوب ويرثى لحالهم ولكن..
لمن نشكوا مآسينا *** ومن يسمع لشكوانا ويجدينا
ومنسيون نمشي في أراضينا *** قطيع نحن والجزار راعينا
فكانت أكف الضراعة ترفع لمن يسمع لشكوانا.
ولكن بالرغم من هذه الآلام والجراح والأنات التي كانت تسمع أثناء الليل خلال الثلاثة أيام المتواصلة من التعذيب فكان يخرج أحد الإخوة يتحامل على نفسه ويقف على الباب ليخفف الآلام ويحيي الهمة ويرفع المعنويات فكان ينشد:
لبيك إسلام البطولة كلنا نفدي الحمى
لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما
والباقي يردد خلفه في صوت ممزوج بالآلام والجراح، إلى أن يصل نهاية النشيد حيث آخر بيت يقول فيه وكأنه يستغيث رب السماوات:
يا رب إني قد دعوتك فاستجب لدعوتي
قد بت انتظر اللواء يوما فعجل لرفعتي
والآخرين يرددون خلفه فتدب الحياة فيهم مرة أخرى وتحيا فيهم العزيمة ويأخذهم الحماس.
فكان ضباط المصلحة عندما يسمعون ذلك يزدادون حنقا وغيظا عليهم فكانوا يصبون عليهم جام غضبهم في اليوم التالي.
وقد انتهت هذه الحملة وقد خلفت وراءها من فاضت روحه إلى بارئها بعد يوم أو اثنين من شدة التعذيب وكذلك من فقد عقله وبدأ يهزي بكلام غير مفهوم.
وكان من يموت يأخذوه إلى مستشفى الليمان ويكتبوا تقرير أنه مات بالسكتة القلبية فحياة إنسان لا تكلفهم سوى ورقة وقليل من مداد الحبر.
لم يكتف أشرف إسماعيل بهذه الجرعة من التعذيب بل إنه كان من حين لآخر يقوم بتفتيش بعض الزنازين ويضربهم ويقوم بوضع الأشياء على بعضها، فكان يضع الطعام على الماء فوق الملابس والبطاطين ويضع عليهم الرابسو والصابون ثم يخرج إلى أخرى.
وبعد الانتهاء من كل الزنازين قاموا بأخذ أعداد منهم إلى مبنى التأديب في خارج العنبر حيث كان هناك مجموعة من العساكر تقف صفين متقابلين في حوش العنبر وبينهما مجرى صغيرة مكشوفة بها ماء مجاري فكان يبدأ الضرب من الدور الثاني وكان البعض يسقط على السلالم فيصاب بكدمات ثم يحاول أن يفادي الضرب الذي يأتيه من العساكر فيسقط في المجرى فيقومون بسحبه على الأرض الملوثة بماء المجاري ولا يعيرون اهتمام بذلك ويستمر الضرب حتى باب العنبر ثم هناك مجموعة أخرى عند التأديب تقوم بضرب كل من يأتي إليها إلى أن يتم إدخال جميع الأفراد في زنازين التأديب ثم جاءت قوات المصلحة بعد ذلك بفترة قصيرة لتقوم بحملة تأديبية على الجميع بما فيهم من تم ضربهم قبل ذلك.)
(، ففي أثناء توزيع الطعام والذي يكون مرتين في اليوم يقومون بضربنا وكان العقاب يتم بصورة فردية وبصورة جماعية أيضا ولأبسط الأسباب، فعندما وجدوا إبرة خياطة في أحد الزنازين – وكانت جناية في ذلك الوقت – قاموا بضرب العنبر كله من أجل ذلك، وفي مرة أخرى سمع أحدهم أحد الأفراد يخطب بصوت منخفض يوم الجمعة وفي دعاء نهاية الخطبة دعا بانتقام الله من الظالمين فما كان منهم إلا أن أوثقوه من يده في باب بمنتصف العنبر وقاموا بضربه وضرب العنبر كله ثم جميع أفراد السجن من أجل هذه الخطبة، بل إنه في أحيانا أخرى كان بدون أسباب، ففي أحد الأيام دخلت قوات من العساكر في العنبر في صخب شديد وأخذوا يهتفون بصيحاتهم في جميع أرجاء العنبر ثم اتجهوا إلى إحدى الزنازين وقاموا بضربهم ثم خرجوا وظلوا يهتفون مرة أخرى ثم اتجهوا إلى نفس الزنزانة فضربوهم وأخذوا ملابسهم ثم خرجوا وأخذوا يدورون حول العنبر وهم يصيحون بصوت عال لبث الرعب والجميع ينتظر إلى أي مكان سيتجهون ولكنهم رجعوا مة ثالثة إلى الزنزانة ليضربوهم ويأخذوا جميع البطاطين ثم خرجوا وقد قاموا في المرة الرابعة بفعل نفس الشيء ولما لم يجدوا ما يأخذونه ضربوهم ثم انصرفوا من المكان ولا أحد يعرف السبب في ذلك إلا ممارسة لصورة من صور التعذيب المختلفة.
إقرأ أيضا :التعذيب بمنع المصاحف وإقامة الشعائر
إقرأ أيضا :التعذيب بمنع المصاحف وإقامة الشعائر