الجهل بأساليب التحقيق وكيفية مقاومتها



الجهل بأساليب التحقيق وكيفية مقاومتها

تقول الحكمة: "اعرف خصمك، واعرف نفسك، فبذلك تستطيع أن تخوض مائة معركة بأقل الخسائر".
إن معرفة كل مقومات وإمكانيات الخصم وطرائقه وخططه ومنهجيته تحقق شرطاً هاماً في إحراز الانتصار في مواجهة المحقق لعل الفكرة الساذجة التي يحملها بعض الأخوة عن مجريات الاعتقال والتحقيق ، كثيراً ما توقعه في مطب استسهال الصمود أثناء التحقيق فالبعض يعتقد أن التحقيق لا يعدو عن كونه لقاءً مع ضابط أمن يحمل في يده عصا، سيضربه بها ضرباً مبرحاً وهو يصرخ بصوت عال اعترف اعترف مكيلاً أبشع الشتائم وما على الأخ إلا الصراخ بصوت عال أيضاً أو اللجوء إلى الصمت حتى يتعب المحقق ثم يلقي عصاه ويرفس الأخ بقدمه يائساً وصارخاً في وجهه خذوه إلى الزنزانة حتى يموت إلا أن التحقيق غيرُ ذلك
إن التحقيق المتبع في أقبية هذه الأنظمة وقبل كل شيء، هو برنامج له أبعاده النفسية والجسدية القائمة على معارف طبية وسيكولوجية واجتماعية، وما أكثر الأساليب التي يمكن ابتداعها وتطويرها انطلاقاً من معرفة هذه الأنظمة بطبيعة هذه البيئة وهذا المجتمع التي نشأت فيه وخاصة القضايا ذات الحساسية الخاصة لديه مثل الشرف والعرض والدين ومفاهيم الرجولة والصدق... الخ .
هناك فكرة أخرى عن التعذيب تضخمه إلى حد يصبح فيه الهاجس نفسه مخيفاً أكثر من الواقع، وكثيراً ما نسمع من يقول: إن ضابط أمن الدولة يعرف كل شيء ،وهو شخص غير عادي وان التعذيب هو كهرباء وكي وتحطيم أعضاء وتعليق وأساليب أخرى لا حصر لها هنا ولكن في النهاية يدخل المعتقل الذي يحمل هذا التصور كي يواجه التحقيق وفي داخله استعداد وقابلية مسبقان للانهيار والاعتراف خوفاً.
إن وصايا جاهزة يسمعها صاحب القضية، وينصح بتطبيقها حال تعرضه للاعتقال، قد لا تفي وحدها بغرض الصمود فحين يعاهد المعتقل نفسه على أن يردد العبارات التالية - "لم اسمع لم أر، لا اعرف" فانه يعتقد أنها ستحصنه وتدعم موقفه في التحقيق، ولكن غالباً ما يحدث أن تسقط هذه العبارات حين ترتطم بواقع وأجواء التحقيق.
ولأن تلك الوصايا نابعة من الفهم الساذج لعملية التحقيق، فإن صاحب القضية سيكتشف أن ضابط الأمن لا يحمل عصا فقط، بل يستخدم طرقاً علمية وأساليب حديثة فيتزعزع ثبات الأخ و يقف ضعيفاً، مقطوعاً، عارياً أمام ضابط التحقيق حين تكون حالته تلك التي سبق ذكرها ويصبح مدفوعاً برغبة الخلاص، حين تضعه أساليب التحقيق في مناخ نفسي قاس وتخيره بين أمر كبير وأمر صغير فضابط الأمن الذي يطلب من الأخ أن يخلع ملابسه يدرك أن التربية والعادات الاجتماعية المختزنة تقيم حاجزاً من الحياء ذي الطابع الديني خاصة، يمنعه من التعري، ولكن إذا توغلنا في التصور أكثر وافترضنا أنه أمام صاحب قضية حقيقي، قام المحقق باستدعاء أخته أو زوجته وهدده بالاعتداء عليها، فإن الأمر سيتغير فما أن يرفع المحقق سماعة الهاتف ويقول: إحضر فلانة الآن فإنه يتوقع في نفس الوقت أن تهتز أوتار توازن شخصية الأخ اهتزازاً عنيفاً، ويجعل ضميره يصرخ داخله شرفك، عرضك، الناس، مجنون ويصل توتره إلى مداه ويصبح عاجزاً عن التفكير أن هذا التوتر العالي يجد له متسعاً للتفريغ عبر بوابة واحدة وهي أن يدلي بأية معلومات، أية معلومات يمكنها أن تلغي إحضار أخته أو زوجته أو ابنته للمعتقل إنه هنا عرضة لصراع مدمر بين الكرامة والشرف الشخصيين، وبين القضية والمبدأ اللذين من أجلهما زج به في المعتقل إنه يسأل: أيهما المقدس والثابت في النفس اكثر؟ أيهما المتغير؟ ... أيهما يمكن التضحية به لحساب الآخر؟ ... وأيهما لا مجال للتفريط به على الإطلاق؟ إن شريط التخيل الذي يعبر ذهنه كمشهد حاضر، منذ توقف سيارات الشرطة أمام منزله ثم اقتحامهم الباب، وكيف سيأخذون ابنته أو زوجته كيف سيجرونها إلى السيارة وعيون الناس الشاخصة إلى ذلك المنظر واختفاء المرأة بين الجنود وأسئلة أخرى - هل سيترك هؤلاء الجنود شرفه دون أن يمس؟.. ألن يفهم الناس ما يجري بطريقة مختلفة؟ وماذا ستقول الأخت أو الزوجة؟ ثم ماذا يقول ضميره؟... ، شرفك يا مجنون هؤلاء وحوش "طز" في كل العالم لا تضح بشرفك هذا الشريط، عندما يدور في ذهن الأخ الملتزم، وهو يعيش تلك اللحظات العصيبة، وينتظر الساعات المرة، يجعله ينهار، وربما قد يصرخ أريد أن اعترف... أريد أن اعترف...
قد حصلت بالفعل حالات كثيرة مشابهة لذلك، وعندما سئل اخ معروف بصلابته، لماذا اعترفت؟ تنهد وقال :(عندما عجزوا أن يأخذوا مني اعترافاً هددوني بأنهم سيحضرون بناتي في الليل) وبعد ساعة كان وحيداً في الزنزانة يصرخ،:
"أريد أن اعترف أريد أن اعترف" .
والحقيقة أن ضباط الأمن غالباً ما يتوقفون في هذه الأمور عند حدود التهديد فقط غير أننا لا نستطيع أن نتجاهل إمكانية حدوثها و صاحب القضية الذي يجهل أساليب وطرق التحقيق سيكون عرضة للانهيار وكم من الملتزمين الأشداء وقعوا في شراك الاستجواب وانهاروا لجهلهم بأساليب هذه الأنظمة.
التحقيق يعتمد في أول خطواته على البحث عن ثغرة في نفسية الأخ كي يدخل منها ويجعلها منطلقاً لمواصلة هجوم المحقق ويلبس المحقق أقنعة مختلفة ويحاول أن يبدو بمظاهر مصطنعة مظهر تمثيلي لكي يدخل إلى عمق هواجس الملتزم وطريقة تفكيره ويبدو كل شيء مدروساً في حركات المحقق وتصرفاته فالنظرة، والابتسامة، والحركة، والإغراء، والغضب، والضرب، والحماية (من محقق يمثل دور الشرس) ، والصراخ والشفقة، والتهديد، والعدو، والصديق، والعطف، جميعها مظاهر تمثيلية مصطنعة وليس لها جذور في نفس المحقق وإنما يراد من ورائها أن يختبر أي الأشكال يجدي نفعاً مع النموذج الواقف أمامه.
إن المعرفة الكاملة بهذه الأساليب وبهذه الأدوار وبهذا الإعداد المسرحي لجو التحقيق، إن توفرت لدى صاحب القضية فإنه لن يشعر بالوجل أو التخاذل وليكن إيمانه بالله وإسلامه وبقضيته ، قوياً بحيث يجعله أكثر صموداً وأصلب عزيمة في مواجهة الأساليب الخبيثة لهؤلاء المحققين.
وليس جديداً القول إن إنسان العقيدة (المفقود في هذه الأيام)، والعالم بأساليب هولاء المحققين معرفة كاملة هو المؤهل لان يكون جداراً ساتراً لجهود اخوته العاملين مهما نصبت له من الشراك ومهما تعرض له من التعذيب وشراسة الاعتقال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق