التعذيب بنقص التهوية
من الممكن للانسان ان يحتمل العديد من انواع التعذيب يحتمل الضرب والجوع والبرد والزحام اما ان يحتمل ضيق التنفس والاختناق فهذا مما يفوق القدرات الطبيعية للبشر خاصة واذا كان نقص التهوية والاكسجين هذا يستمر الشهور والسنوات لا مجرد لحظات عابرة كانت الزنازين فى العنابر الخرسانية شديدة الحراسة خانقة للغاية كعنبر (ج) و(د) فى استقبال طره وكسجن ابو زعبل ودمنهور ووادى النطرون كانت فتحات التهوية فى الزنازين عبارة عن شريط صغير فى اعلى الحائط يقوم بدور النافذة وبابا حديدا صلبا لا يوجد فيه سوى فتحة صغيرة للنظر منها بالاعين تسمى النظارة كنا نختنق خاصة فى فصل الصيف داخل الزنازين فنقترب من باب الزنزانة كى نخرج انوفنا من الفتحة الصغيرة للباب لنستطيع استنشاق الهواء الخارجى النقى وكان احدنا حينها يتمنى ان يكون مكان نومه بجوار الباب بحيث يلصق وجهة بعتبة الباب السفلية يستنشق ما ياتى منها من هواء يعينه على احتمال الجو الخانق داخل الزنزانة كنت اصعد على الجمل كما كنا نسمية وهو سلم الحبال التى كنا نصنعها من البطاطين لنتسلق الحائط فاظل العديد من الساعات متعلقا على الحائط ووجهى امام النافذة القضبانية للزنزانة وقد صنعنا مصدا هوائيا خارج هذه النافذة لتغير اتجاه الهواء فيدخل الى الزنزانة كما ساوضح فى فصل وسائل التكيف المعيشية كنت اصعد على الجمل فى الثانية بعد منتصف الليل استنشق هواء الليل البارد مغتنما لتلك الفرصة ومستعينا بهذا الهواء على بقية يومى داخل الزنزانة وحين ترتفع الرطوبة فى الجو فى الزنزانة يكاد الواحد منا يغشى عليه من نقص الاكسجين ولا نستطيع التنفس وكان هذا الامر يبلغ ذروته فى زنزانة الحجز فى لاظوغلى اذ لم يكن لها اى نوافذ ولا يوجد لها سوى نوافذ صغير على مخازن تحت البدروم وبير السلم فمع حرارة الجو وارتفاع نسبة الرطوبة وازدياد العدد كان العديد من الاخوة يسقط مغشيا عليه فنظل نطرق الباب حتى يفتحوا لنا باب الزنزانة لبضعة دقائق ليدخل القليل من الهواء الى الزنزانة ثم لا يلبث الباب ان يغلق لتنقطع امال التنفس من جديد كنا فى المعتقل ننتهز فرصة توزيع الطعام فنتباطأ فى احضار الاوعية قدر الامكان حتى يظل باب الزنزانة مفتوحا اكبر قدر ممكن من الثوانى وكنا نرشو الشاويش ببعض من الاطعمة التى تاتينا من الزيارة حتى يفتح لنا باب الزنزانة لدقائق معدودة يتلفت فيها الشاويش حوله خوفا من ان يراه احد المخبرين وقد فتح لنا باب الزنزانة للتهوية. عندما كنت صغيرا فى المدرسة جاءتنى حالة من ضعف التنفس واحالونى الى المستشفى فشخص الطبيب الحالة بانها ضيق فى الشعب الهوائية مؤقت سيزول بالعلاج وظللت عدة ايام تاتينى نوبة ضيق التنفس حتى شفانى الله من هذا الامر تماما بعد ايام ولكنى من حينها وانا ادرك قيمة الهواء والتنفس السليم واصحاب الامراض الرئوية الذين يستعملون بخاخات الكورتيزون يدركون جيدا معنى كلامى هذا وفى المعتقل كانت المرة الثانية التى ادرك فيها كيف ان نفس الهواء النقى الذى نستنشقه لا يقدر بثمن ويعرف الانسان حينها مقدار نعمة الله عليه بالتنفس السليم والهواء العليل كان العديد من الاخوة المعتقلين مصاب بداء الربو وامراض التنفس والدرن الرئوى والجو الخانق فى الزنازين كان كافيا ليقتلهم فى ايام معدودة الا ان رحمة الله علينا واياته كانت تتجلى فى ان يظل هؤولاء على قيد الحياة السنوات الطويلة بلا هواء يتنفسوه.
إقرأ أيضا : التعذيب بكثرة النقل بين الزنازين
إقرأ أيضا : التعذيب بكثرة النقل بين الزنازين