أسلوب التجويع‏ والتعطيش



 أسلوب التجويع‏ والتعطيش ‏

وهو‏ أسلوب ضغط‏ وابتزاز‏، ومساومة‏ يقوم‏ على‏ الإرهاق العصبي‏ للمعتقل‏، ودفعه‏ للانهيار‏ ويكون‏ مصحوباً‏ بحملات‏ ضغط‏ نفسي‏، وإيحاء مستمر‏ بأن‏ التعذيب‏ أبدي‏، وأن‏ الاعتراف‏ حتمي.
حاجة‏ الجسم‏ للأكل حاجة‏ عضوية‏، وعندما‏ يحرم‏ الإنسان ‏، من‏ الأكل، تحت‏ أسلوب التجويع‏، فإنه‏ يحس‏ بأن‏ هناك‏ جفافاً‏ في‏ الحلق‏، وتنبعث‏ رائحة‏ كريهة‏ في‏ الفم‏، ويصاب‏ بالدوار‏ والدوخة‏ بعد‏ اليوم‏ الثاني‏، ولا يستطيع النوم‏، ‏ولا يقدر‏ أن يقف‏ على‏ قدميه‏ خمسة‏ دقائق‏ بشكل‏ مستمر‏ ومتواصل‏ بعد‏ عدة‏ أيام، وينتابه‏ شعور‏ بثقل‏ الرأس‏، وهبوط‏ في‏ قواه‏، واصفرار‏ في‏ وجهه‏، وضمور‏ في‏ بطنه‏ وارتخاء‏ في‏ عضلاته‏، وشعور‏ بالإرهاق العصبي
يستغل‏ المحقق‏ أسلوب التجويع‏ كأسلوب غير‏ مباشر‏، ‏حيث‏ يكلف‏ الجندي‏ الحارس‏ عندما‏ يوزع‏ وجبات‏ الأكل صباحاً‏ وظهراً‏ ومساءً حرم‏ هذا‏ الاخ‏ من‏ تناول‏ الطعام‏ لعدة‏ أيام متواصلة‏، لكي‏ يزيد‏ توتره‏، وإرهاقه العصبي‏ الأمر الذي‏ يؤثر‏ ميكانيكياً‏ على‏ نفسيته‏، لكسر‏ إرادته، وتحطيم‏ صموده‏، والقضاء‏ على‏ صبره‏، وتحمله‏، وتفتيت‏ عضده‏، وشل‏ تفكيره‏، ودفعه‏ للاعتراف‏ كمخرج‏ وحيد.
ورغم‏ ما‏ يسببه‏ الحرمان‏ من‏ الأكل من‏ تعب‏ وإرهاق للأعصاب، وآلام‏ للمعتقل‏، وخاصة‏ عندما‏ توزع‏ وجبات‏ الأكل كل‏ يوم‏، وتفوح‏ خلالها‏ رائحة‏ الأكل، إلا أن الحقيقة‏ التي‏ يجب‏ ألا يغفل‏ عنها‏ المجاهد‏، وهي‏ أن المعتقلين‏، قد‏ خاضوا‏ تجربة‏ الإضرابات عن‏ الطعام‏ لعدة‏ أسابيع، ولم‏ نسمع‏، أن الإضراب عن‏ الأكل، أو الحرمان‏ من‏ الطعام‏ لعدة اسابيع يؤدي‏ للموت‏ إن الإنسان معجزة‏، وعنده‏ قدرة‏ هائلة‏ وعظيمة‏ على‏ الصبر‏، والتحمل‏، خاصة‏ إذا كان‏ مسلماً‏ بعقيدة‏ مؤمنا‏ بقضية وهدف‏ تزوده‏ في‏ ساعات‏ المحن‏ بشحنات‏ روحية‏، يسمو بها‏ فوق‏ التحقيق والحقيقة‏ الثانية‏، أن المحقق‏ عندما‏ يستخدم‏ أسلوب التجويع‏، فإنه‏ لا يستخدمه، من‏ أجل‏ قتل‏ المعتقل إنه‏ يستخدمه‏ كأسلوب ضغط‏، كأسلوب ابتزاز‏ لأجل أن يعترف‏، ويوحي له‏ أنه‏ سيبقى‏ بدون‏ طعام‏ حتى‏ يموت‏ ( فاصبر‏ كما‏ شئت‏ في‏ النهاية‏ ستعترف‏، واعترافك‏ حتمي.. وأفضل‏ أن تعترف‏ اليوم‏ من‏ أن تعترف‏ غداً.. ولن‏ يفيدك‏ صمودك..!) .

على‏ المعتقل أن يتذكر‏ دوماً‏ أن أسلوب التجويع‏ أو الحرمان‏ من‏ الماء‏ والمنع‏ من‏ قضاء‏ الحاجة‏، ليس‏ منفصلاً‏ في‏ معركة‏ التحقيق‏ عن‏ الأساليب الأخرى.. انه‏ مرتبط‏ بها. فكما‏ صمد‏ المعتقل وأفشل‏ أساليب المخابرات‏، كلما‏ ضغطوا‏ عليه‏ في‏ جانب‏ الحرمان‏ من‏ الطعام‏ والماء‏ وقضاء‏ الحاجة‏ لكي‏ يصل‏ إلى حالة‏ من‏ الإنهاك والضعف‏ لا تؤهله‏ لمواجهة‏ أساليب المخابرات‏ بقوته‏ وطاقته‏ العادية‏ والطبيعية‏ هذا‏ من‏ جانب‏ ومن‏ جانب‏ آخر فإن‏ المحقق‏ يلجأ‏ لهذا‏ الأسلوب حتى‏ يضعف‏ الاخ‏، ويطلب‏ الطعام‏ والماء‏، ‏وقضاء‏ الحاجة‏، لكي‏ تبدأ‏ هنا‏ المساومة‏، إنهم‏ على‏ استعداد‏ أن يقدموا‏ له‏ الأكل والماء‏ وكل‏ ما‏ يريد‏ المهم‏ أن يقدم‏ لهم‏ وعداً‏ بأنه سيعترف‏، لأن‏ هذا‏ أول طريق‏ السقوط‏، وأول‏ خطوات‏ الاعتراف.. فهل‏ يمكن‏ أن يبيع‏ المجاهد‏ قضيته‏، ويغدر‏ باخوته‏ ودعوته‏ من‏ أجل‏ ثمن‏ بخس‏، كسرة‏ خبز‏، قطرة‏ ماء..؟‏!
إن الواجب‏ الشرعي‏ على‏ المعتقل أن‏ يواجه‏ كل‏ الضغوط‏ التي‏ تمارس‏ عليه‏ من‏ قبل‏ المحقق‏ أو‏ من‏ آثار‏ أساليبه‏ في‏ معركة‏ التحقيق، بتحمل‏ وصلابة‏، وقوة، وثقة‏ بالله‏، وتوكل‏ عليه لأن‏ أسلحته هذه‏ هي‏ التي‏ تفشل‏ أسلوب المحقق‏ وتجعله‏، يغير‏ جلده‏ من‏ جديد‏، ويبحث‏ له‏ عن‏ أسلوب آخر أكثر‏ جدوى رغم‏ أن أسلوب الحرمان‏ من‏ الطعام‏ والماء‏ وعدم‏ قضاء‏ الحاجة يقصد‏ منه‏ خلق‏ حالة‏ من‏ الشعور‏ بالإرهاق والتدهور‏ النفسي‏ والجسدي إلا أن المحقق‏ رغم‏ تظاهره‏ بعدم‏ الاهتمام‏ لسوء‏ الحالة‏ الصحية‏ للمعتقل‏، وتجاهله‏ بحرمان‏ المعتقل‏ من‏ الأكل، والماء‏ وعدم‏ قضاء الحاجة.. إلا أنه‏ يراقب‏ الوضع‏ الصحي‏ له‏ من‏ بعيد‏ يحاول‏ أن يعرف‏ كل‏ يوم‏ تطورات الحالة.
فإن‏ وصلت إلى المرحلة‏ الخطرة.. يضطر‏ المحقق‏ إلى تقديم الغذاء‏ للمعتقل.. إذاً المحقق‏ يريد‏ أن يوصل‏ المعتقل عبر‏ صراع‏ الإرادات‏ إلى الخضوع‏ قبل‏ أن يصل‏ إلى هذا‏ المستوى‏ الصحي‏ السيء والمعتقل قادر‏ أن يصل‏ إلى هذه‏ الحالة‏ الصحية‏ المتردية‏ ولا‏ يعترف فأيهما‏ يكون‏ عنده‏ أكثر‏ قدرة‏ على‏ الصبر‏، والصمود‏ والتحدي‏ هو‏ الذي‏ ينتصر‏ في‏ نهاية‏ المطاف.
إن المحقق‏ عندما‏ يقدم‏ الماء‏ والطعام‏ للمعتقل‏، لا يقدمه‏ حباً‏ به‏، وحرصاً‏ عليه‏، بل‏ يقدمه‏ لكي‏ لا يسقط‏ بين‏ يديه‏ شهيداً فيكون‏ فاشلاً‏ من‏ خلال‏ جريمة‏ القتل‏، ويكون‏ فاشلاً‏ بعدم‏ حصوله‏ على‏ اعتراف‏ المعتقل‏، والحصول‏ على‏ معلومات‏ منه‏، وإذا أصر المعتقل بعد‏ هذه‏ الجولة‏ على‏ عدم‏ تناول‏ الطعام‏ والماء.. سيحاول‏ المحقق‏ إطعامه بالقوة‏، حتى‏ لو‏ اضطر‏ المحقق‏ أن يوقف‏ التحقيق‏ لأيام مع‏ المعتقل و حتى‏ لو‏ اضطر‏ أن يقدم‏ له‏ تسهيلات.
وعلى‏ المعتقل في‏ وسط‏ هذه‏ المعركة‏ أن يتذكر‏ دوماً.. وهو‏ يقاسي‏ الجوع‏ والعطش‏ والإرهاق.. ماذا‏ ستكون‏ النتيجة ؟ القتل ؟ ما‏ هي‏ نهاية‏ رحلته‏ النضالية ؟ الشهادة ؟
إن القتل‏ في‏ سبيل‏ الله‏ خير‏ من‏ الحياة‏ في‏ معصيته‏، وأن‏ أقدم‏ شهادة‏ لقضيتي‏ بصمودي‏، وصلابتي‏، وإرادتي، وتحمل‏ للألم، والعذاب‏ والقهر‏، والجوع‏ والعطش.. خير‏ من‏ أن أقدم‏ شهادة‏ ضد‏ القضية‏، بانهياري‏، وخضوعي‏ واعترافي.. وليكن‏ "شعاره‏ ذلك‏ بأنهم لا يصيبهم‏ ظمأ‏ ولا نصب‏ ولا مخمصة‏ في‏ سبيل‏ الله‏ ولا يطئون‏ موطئاً‏ يغيظ‏ الكفار‏، ‏ولا ينالون‏ من‏ عدو‏ نيلا.. إلا كتب‏ لهم‏ به‏ عمل‏ صالح‏، إن الله‏ لا يضيع‏ اجر‏ المحسنين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق