كتب الشيخ رفاعى سرور (رحمه الله فى كتابه أصحاب الأخدود
اذ يقول
إنه حديث المستضعفين.. ودرس الذين عاشوا الدعوة في أيام الآلام والعذاب
--( فعلى رأسه ملك مبدأه السحر وسلطانه القهر.. فلابد أن المنهج وهم وأن القيادة قهر وأن الفكر خرافة والواقع ضياع وعندئذ يكون الإنسان إما متكبراً لا يعجبه إلا نفسه أو مقهوراً لا يشعر بنفسه...).
(والذي يجعلنا نفهم ذلك من البداية هو أن الحكم في أي واقع هو المحصلة النهائية لكل الأبعاد الاجتماعية. كما أنه الصورة الجامعة للتقاليد والإطار المحدد للأخلاق فكيف يكون هذا المجتمع ومحصلة أبعاده وصورة تقاليده وإطار أخلاقه... القهر والسحر؟
وهذه ضرورة الحكم الظالم لأن الحكم بكل أشكاله سيطرة على الواقع الإنساني فإما أن يكون الحكم سليماً فيقوم على بناء كيان الإنسان وصيانته وفي هذه الحالة يكون من مصلحة الحاكم أن يكون الإنسان الذي يواليه عاقلاً عالماً قوياً. وهذا هو الحكم الإسلامي الذي يرعى الفرد ويقويه، وإما أن يكون الحكم جاهلياً فيقوم على تفتيت كيان الفرد وتشتيت كيان المجتمع لأن الحكم الجاهلي لايريد إلا السيطرة دائماً ولو إلى الدمار وفي هذه الحالة يكون من مصلحة الحاكم أن يكون الإنسان الذي يواليه غبياً جاهلاً ضعيفاً.
والسحر باعتباره توهم وكذب يحقق أغراض الحاكم الظالم، وأي منهج ليس من عند الله يخضع لـه الناس يحقق نتائج السحر وليس هناك فارق بينهما إلا في الشكل والاسم فالمهم ألا يكون في المجتمع قوة عاقلة أو عقل قوي وهذا ما يتحقق بالسحر وبأي منهج بشري مهما كان لأن أي منهج غير إسلامي يتفق في خصائصه مع السحر. إذ أن السحر تخيل بتأثير عامل الخوف وباستغلال حالة الجهل وأي منهج يتخيل الإنسان أنه سليم بتأثير الإرهاب الذي يُفرض به المنهج من خلال الجهل والضعف يحقق نتائج السحر ...)
( وبذلك نفهم أن العداء بين الدعاة إلى الحق وبين حكام الباطل أمر بدهي مفروض من البداية وبمجرد التفكير في غاية الدعوة والنظر إلى واقع الناس ....).
(وعلى هذا فإن أي دعوة إلى الحق - تظهر في الواقع الباطل توجيهاً نظرياً أو فكرياً مجرداً لا يتضمن تقدير مواجهة هذا الباطل في قوته وسلطانه ستكون قتيلة بسنن الوجود وتُلفظ من واقع الناس.. كالجنين الذي يلفظه الرحم وهو غير مخلَّق. فالدعوة إلى جميع الناس.. حاكمين ومحكومين لأن الدعوة دعوة للحق فلو كانت للمحكومين دون الحاكمين لأصبحت فكراً خاضعاً لمن يحكم بالباطل ولو كانت للحاكمين دون المحكومين لأصبحت وسيلة من وسائل هذا الحكم الباطل...).
--( ويجب ألا يمنع الاستضعاف ضرورة المواجهة بين الدعوة والحكم الظالم وليس في تلك المواجهة دون اعتبار للإمكانيات المادية - أي تهور، ولهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن سيد الشهداء من يقوم إلى حاكم ظالم يأمره وينهاه، وهو يعلم أنه سيقتله فقال: (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام ظالم فأمره ونهاه فقتله) لأنه أكد مايؤكده الشهداء بقتالهم الكافرين أصحاب القوة والسلطان ويزيد عليهم أن الشهداء كانوا يقاتلون باحتمال النصر أو الشهادة وهو يواجه باحتمال واحد وهو الشهاد...)ة.
(فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب).
(وتلمح من النص أن الغلام كان على إصرار في القعود إلى الراهب لأنه كان يقعد إليه كلما أتى الساحر، رغم أن الساحر كان يضربه كلما تأخر عنه.
وهذا الضرب يمثل بالنسية للغلام بلاءاً وامتحاناً إذا راعينا أنه غلام صغير.
ولكن الله تبارك وتعالى يريد أن يتربى هذا الغلام - من البداية - تربية حقيقية كاملة ويريد أن يكون ارتباطه بالدعوة متفقاً مع طبيعتها لأن هذا الغلام سيكون منطلقاً أساسياً لتلك الدعوة، وسيكون دليل الناس إليها.
لذا كان لابد من أن يكون شخصية متكاملة بمعنى التكامل الشخصي للدعاة والذي لا يتحقق ولا يتم إلا بالاستعداد للبلاء والصبر عليه عندما يقع.
فطبيعة التلقي لهذا الدين هي التي تحدد طبيعة اعتناقه والالتزام به والدعوة إليه، والذين يتلقون هذا الدين على أنه بلاء، هم الذين يبقون إلى النهاية، وأخذ هذا الدين بقوة هو ضمان الاستمرار عليه.
وبذلك أراد الله تبارك وتعالى أن يتفق تكوين هذا الغلام مع طبيعة الدعوة وأن لا تشذ شخصيته عن تكاليفها فابتلاه الله في لحظات التكوين ووقت النمو وفترة التربية فصدق وصبر.
-- (فاهتز الجبل فسقطوا هم وعاد هو سالماً... وجاء يمشي إلى الملك).
(وسبب عودته إلى الملك هو سبب طلبه للنجاة من أصحاب الملك فوق الجبل وهو أن الدعوة لم تتم، وليست الحياة هدفاً يحرص عليه الدعاة إلا من خلال كونها ضرورة من ضرورات الدعوة سواء أكان تحقيق هذه الضرورة يتطلب الحرص على الحياة أو الحرص على الموت.
إقرأ أيضا : منبر الزنزانة (9)
إقرأ أيضا : منبر الزنزانة (9)