مذبحة الاخوان المسلمين في ليمان طره 1/6/1957
بعد انتهاء محاكمات محكمة الشعب الهزلية عام 1954م.. أُدخل الإخوان السجون والمعتقلات المنتشرة في أنحاء القطر المصري.. وكان عدد هؤلاء الإخوان يقرب من ألف فرد صدرت عليهم أحكام بالسجن تتراوح بين خمسة سنوات إلى 25 سنة أشغال شاقة مؤبدة.
وفي السجون لاقى الإخوان أهوالاً من التعذيب والاضطهاد والتضييق والحرب النفسية التي شُنَّت عليهم؛ بهدف القضاء على دعوة الإخوان في نفوسهم، وصرفهم عنها بكل وسيلة، وتحويلهم إلى أفراد تابعين للنظام القائم وخاضعين له.
وكان (ليمان طرة) أحد تلك السجون التي دخلها الإخوان في سبيل دعوتهم وفكرتهم.. وكان به ما يقرب من (183) أخًا معظمهم من الشبان صغار السن، من طلاب المدارس الثانوية والجامعات الذين كان للشهيد محمد يوسف هواش فضلَ تجميعهم وتنظيمهم بعد أحداث 1954م أثناء فترة هربه. كما كان يوجد بالسجن بعض الإخوان القدامى من الرعيل الأول كالحاج أحمد البس، والذي كان محكومًا عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة.
كما كان من نزلاء السجن أيضًا من الإخوان الشيخ حسن أيوب، والأستاذ حسن دوح، وفي مستشفى الليمان كان يوجد الشهيد سيد قطب، والشهيد محمد يوسف هواش.
وكان يتولى مسئولية الإخوان داخل الليمان الحاج أحمد البسّ، ويعاونه ستة من الإخوان هم (الشيخ حسن أيوب، الأخ حسن دوح، عبد الحميد خطاب، أحمد حامد قرقر، عبد الرازق أمان الدين، عبد الحليم حسين).
وكان من تكاليف الإخوان في الليمان الخروج يوميًا للجبل لتكسير الحجارة ونقلها.. حسب كمية معينة مطلوبة منهم تتراوح بين (40- 80) متر مكعب يوميًا.
وكان يقوم على إدارة الليمان مجموعة من أسوأ الضباط.. كانت تحمل للإخوان حقدًا وكراهية شديدة منهم (عبدالعال سلومة، عبدالله ماهر، عبداللطيف رشدي)، وكان مدير الليمان في ذلك الوقت اللواء سيد والي الذي قاد المذبحة بعد ذلك
افتُعلت مجموعة من الأحداث كانت بمثابة استفزازات للإخوان حتى يوجد المبرر لتنفيذ المذبحة:
- أول هذه الاستفزازات كانت في يوم الأربعاء 22/5/1957م، مُنع الإخوان من صلاة الجماعة في فناء عنبرهم بصورة استفزازية، ثم مُنعت صلاة الجماعة في الأدوار الخاصة للإخوان، ثم مُنعت صلاة الجماعة داخل الزنازين بنفس الصورة.
- وفي يوم الخميس 23/5/1957م مُنع لعب الكرة الذي كان مرخصًا به بنفس الطريقة.
- وفي يوم الجمعة 24/5 ظلَّت الزنازين مغلقة على الإخوان حتى صلاة الجمعة.
- وفي يوم السبت 25/5 حدثت مشادة بين الضابط "عبد العال سلومة" وثلاثة من الإخوان دون داعٍ سوى الاستفزاز.
- وفي يوم الأحد 26/5 قال هذا الضابط نفسه مهددًا بتصريحات غريبة (فيه أوامر عالية بجر الإخوان لمعركة نخلص فيها على ثلاثين.. أربعين..)، وكرر هذه التصريحات بصورة مستفزة.
- وفي يوم الأربعاء 29/5: أثناء إحدى الزيارات لعدد من إخوان شبرا، أخرجت إحدى الأخوات "دجاجة" وأعطتها لأخيها الأخ: عبد الغفار السيد، فثارت ثائرة الضابط عبد الله ماهر وصرخ بصوت مستفز "ممنوع أخذ أي شيء من الزوار"، وأنهى الزيارة.. ووضع القيد الحديدي من الخلف في يد كل أخ من الذين كانوا في الزيارة، وأرسلهم إلى زنازين التأديب وأُرسل أهاليهم إلى قسم شرطة طرة، واتُهموا بإحداث شغب أثناء الزيارة.
- وفي يوم الخميس 30/5 مُنعت الزيارات الخاصة بالإخوان بدون مبرر.
- وفي يوم الجمعة 31/5 أغلقت الزنازين حتى الصلاة، وفي المساء أخرجوا الإخوان الموجودين في مستشفى الليمان، وأعادوهم إلى العنابر، ونبهوا على الجميع بضرورة الخروج للجبل في اليوم التالي: السبت.
في يوم السبت 1/6 والذي حدثت فيه المذبحة.. كان تفصيل الأحداث كالتالي:
"رأى الإخوان أن يتخلصوا من هذه الحالة التي لا تراعي فيها الإدارة أي قانون من قوانين السجون فكتبوا طلبًا للإدارة.. لطلب النيابة للتحقيق فيما يجري معهم، وحددوا ما يطلبون باعتبارهم مسجونين سياسيين على أكثر تقدير.. وسُلِّمت شكاوى بهذا المعنى لكاتب العنبر لتأخذ خط سيرها الروتيني.. وانتظر الإخوان داخل الزنازين حتى العاشرة صباحًا.
ثم طلبت الإدارة أربعة منهم (أحمد البس، عبدالرازق أمان الدين، حسن دوح، عبدالحميد خطاب)، وأدخلوهم حجرة وكيل العنبر، فوجدوا مدير الليمان وحوله الضباط، وبيد كل واحد منهم مسدسه، وبعد فترة من الحديث ذهب مدير الليمان إلى مكتبه ومعه الضباط وتركوا الإخوان الأربعة في حراسة بعض الجنود.
وبعد فترة ليست طويلة فوجئ الإخوان بإحضار عدد من السلاسل الحديدية، وبدأوا في سلسلة الإخوان فيها، ثم أخذوا يفتحون الزنازين فيخرج من كل زنزانة ثلاثة من الإخوان يُفتشون ثم يُسلسلون في السلسلة، وهكذا حتى تَمَّ سلسلة خمسة عشر أخًا، وعلى أثر إهانة أحد الضباط لأحد الإخوان، رفض هؤلاء عملية السلسلة هذه، وصعدوا إلى الدور الثالث من العنبر؛ حيث كان يقيد الإخوان وأبواب الزنازين مغلقة عليهم، فاختطف أحدهم- "الشهيد علي حمزة"- المفتاح من الجاويش، وفتح جميع الزنازين، وخرج الإخوان.
وهنا فشلت الخطة التي دبرتها إدارة السجن لإخراج الإخوان بالسلاسل إلى الجبل ثم ضربهم هناك بدعوى قيامهم بالتمرد ومحاولة الهروب، ففكرت الإدارة في خطة أخرى نُفذت بعد ساعتين من فشل الخطة الأولى، وعند صلاة الظهر أُغلقت جميع زنازين الليمان.. ما عدا زنازين الإخوان.. الذين بدأوا الاستعداد لصلاة الظهر.
وفجأة دخلت الكتيبة العنبر، وصعد عدد منهم إلى الدور الرابع الذي يعلو الدور الثالث الذي يسكن فيه الإخوان.. ومن الدور الأول أطلق أحد الضباط طلقة كانت بمثابة إشارة البدء في المذبحة فصاح أحد الإخوان: "فشنك"، ولكن توالى إطلاق النار وسقط بعض الإخوان مضرجين في دمائهم.. وعندئذ صاح أحدهم: "الضرب في المليان يا إخوان.. ادخلوا زنازينكم.. وأغلقوا الأبواب عليكم"، فأسرع الإخوان إلى داخل الزنازين وأغلقوا الأبواب عليهم، واستطاع بعضهم أن يسمكر الأبواب عليهم.
وعندما دخل الإخوان الزنازين صعد بعض الضباط ومعهم جاويش، فكان الجاويش يفتح باب الزنزانة فيدخل الضابط فيطلق النار على مَن فيها بمسدسه، أما الزنزانة المغلقة فيضع في فتحة الزنزانة فوهة مسدسه ويطلق النار على مَن بداخلها، واستمر إطلاق النار ساعة أو أقل قليلاً، بعدها خيم صمت رهيب على الليمان، والجميع في ذهول، واستمر هذا الصمت الرهيب والإخوان في ذهولهم.. بين قتيل مضرج في دمائه.. ومصاب جرحه ينزف.. وثالث ذهب عقله.. ورابع لا يدري هل هو ميت أو حي!!.
وبعد توقف الضرب فتح باب المخزن، وهجمت قوة من الضباط والعساكر على مَن فيه، وأطلقوا عليهم الرصاص، وأجهزوا على الجرحى والمرضى منهم بالشوم، ثم انطلقوا إلى المخزن الآخر، ولكن بابه قد أغلق بفعل رصاصة سمكرت الباب، فذهبوا إلى الزنزانة المجاورة للمخزن الثاني، وأجهزوا على كل مَن كان فيها، ثم صدرت إليهم الأوامر بالانسحاب.
وبقيت هذه الحالة حتى جاء الليل.. وبدأت حركة داخل العنبر بدخول الحراس وفي أيديهم الشموع؛ يبحثون عن حصاد المذبحة.. وكان الحصاد 16 قتيلاً.. و22 جريحًا.
ووقف الحراس والضباط في الطريق الموصل إلى المستشفى يجهزون على المصابين ضربًا بالعصي الغليظة؛ حتى انضم عدد من الجرحى إلى القتلى.. فأصبح عدد القتلى (21) قتيلاً، واتجه تفكير إدارة السجن إلى تفسير الحادث على أنه اشتباك بين الإخوان بعضهم البعض وأن بعضهم قتل البعض الآخر بالسكاكين..
وبناءً على ذلك أخذوا يوسعون مكان الطلقات حتى تكون كالطعن بالسكين، ثم أرادوا أن يصوروا الحادث على أنه اعتداء من الإخوان على الحراس.. ولكن لم يكن بين الحراس حارسًا واحدًا مصابًا.
ولذلك لم يستسغ وكلاء النيابة أيًّا من هذين التفسيرين.. مما اضطر المسئولون إلى استبدال وكلاء النيابة بضباط مباحث تنكروا في هيئة وكلاء نيابة، وحفظوا التحقيق في المذبحة.
وبعد ذلك دخل على المحققين "صلاح الدسوقي"، الذي كان يعمل وقتها أركان حرب وزارة الداخلية، وقال موجهًا حديثه لمدير الليمان سيد والي: "برافوا يا أبو السيد.. أنا كنت متأكد إن مفيش حد يقدر يقوم بهذا الأمر إلا أنت.. أنتم ماخلصتوش عليهم ليه؟!"، فاطمأن الضباط وعلت وجوههم الابتسامات.
وقد فسر الضابط "أحمد صالح داود" ضابط المباحث العامة والذي حضر المذبحة لأحد الإخوان (الأخ محمد الشيخ) أسباب المذبحة بقوله: "إن سبب المذبحة هو أن الإخوان المسلمين بالأردن وقفوا ضد جمال عبد الناصر؛ بأن أفسدوا انقلابًا دبره ضد الملك حسين، فانتقم جمال عبد الناصر من إخوان الأردن بضربكم هنا في مصر".
وكانت النتيجة النهائية للمذبحة كالتالي: 21 شهيدًا.. 23 جريحًا.. 6 فقدوا عقولهم وأرسلوا لأسر الشهداء لاستلام جثثهم بشرط ألا يعلم عن موتهم أحد، وألا تقام لهم جنائز، ويتم دفنهم ليلاً بحضور أحد الأقارب، وبقيت مقابرهم تحت الحراسة مدة لا يقترب منها أحد.