أسلوب العدو والصديق
عندما تحاصر شخصاً، وتضيق عليه الخناق، وتغلق في وجهه
كل منافذ الخلاص، عندها يفقد الأمل تماماً، وسيكون من غير الممكن أن
يبدي تجاوباً معك، وسيكون أكثر عناداً فإذا فتحت له بعدها باباً
صغيراً أو منفذاً للنجاة، فسيفر بجميع حواسه وعقله إلى هذا المنفذ ويرى
فيه باب الأمل المتاح.
على هذا الأساس
يقوم أسلوب العدو والصديق، وهو من أشد أساليب التحقيق خداعاً، لأن الأمل
هنا ليس سوى مصيدة، ومحاولة استدراج المعتقل ليعترف.
توزع الأدوار في هذا
الأسلوب على اثنين من رجال التحقيق يمثل الأول دور السفاح القاسي الذي
يتلذذ بضرب المعتقل وتعذيبه ويمثل الثاني دور الشخص الطيب الرقيق الذي
فيه نزعة إنسانية بالغة.
تبدأ المسرحية بعد
جولة من الإقناع والإغراء والتهديد، يمارسها رجال التحقيق مع المعتقل،
فإذا فشل التحقيق في انتزاع أي معلومات، يدخل المحقق (الشرير) فجأة،
متظاهراً أنه دخل إلى غرفة التحقيق خصيصاً من أجل انتزاع اعتراف بأي
شكل ويسأل أحد المحققين الذي يمثل دور (الطيب) بقسوة هل اعترف؟ وهنا
يجيب المحقق متظاهراً بالخوف والضعف أمام (الشرير) لا فيرد الشرير بغضب
هذا بسببكم انتم تشفقون عليهم أنتم تضيعون وقتنا اخرج من هنا وأمام
صراخ الشرير يخرج المحقق (الطيب) متظاهراً بالانكسار والضعف هنا يخلو
الجو للشرير وتغلق أمام المعتقل أبواب النجاة من التعذيب فينهال عليه
(الشرير) ضرباً وحشياً متعمداً ويصرخ المعتقل من شدة الألم وفي هذه
اللحظة، يفتح الباب بقوة، ويدخل المحقق الطيب متظاهراً بالانفعال
ومحاولاً تهدئة الشرير وتخليص المعتقل من بين يديه ثم يخرج (الشرير)
ويبقى (الطيب) الذي يقدم المساعدة للمعتقل فيرفعه عن الأرض، ويجلسه على
كرسي، ويقدم له كأس ماء، ويحضر منشفة مبللة يمسح بها وجهه من الدماء،
ويعرض عليه فنجاناً من القهوة أو الشاي ويتظاهر بالإشفاق عليه ثم يبدأ
بالحديث الودي معه، ناصحاً إياه، في تمثيل مسرحي بارع أنه يلعب الجولة
الأخيرة فيقول للمعتقل (ارحم نفسك. يكفيك هذا العذاب. لو لم أخلصك من
يدي هذا الضابط لقتلك أو تركك مشوهاً. الأفضل لك أن تعترف قل لي من
تعرف؟ ومتى تعرفت على الاسلاميين اعطني المعلومات المطلوبة، ولن يحصل لك
عذاب بعد ذلك). فإذا أصر المعتقل على الإنكار، حاول المحقق (الطيب) أن
يستثير في نفسه الشعور بالعرفان ورد الجميل قائلاً (هل هذا جزاء
المعروف؟ أنت تعرضني لموقف محرج أمام ذلك الوحش وأنا أنقذتك) ويستمر في
هذه اللعبة، مستخدماً الضغط النفسي والتخويف من عودة (الشرير)، وأمام
إصرار المعتقل على الإنكار ينفتح الباب بعنف، يطل الشرير برأسه صارخاً
(ألم يعترف بعد، ماذا تنتظر؟)هنا يدخل المحقق الطيب (إنه يعترف. إنه
يعترف فقط اعطنا مهلة خمس دقائق) وينغلق الباب بقوة ويبدأ (الطيب) جولة
جديدة من الضغوطات، وإظهار الحرص والشفقة.. فإذا انطلت الحيلة على
المناضل، واعترف يظهر الطيب على حقيقته، وينزع عن وجهه قناع الوداعة،
وينتهي دوره في التمثيل فإذا هو أحد المحققين ولا فرق بينه وبين (الشرير).
إن أسلوب العدو
الصديق هو فخ ماكر وعلى المعتقل أن يعي هذا الأسلوب جيداً وان يدرك
أنه لا فرق بين المحقق الشرير والطيب بل وأن ذلك الذي يمثل دور الطيب
هو أشد خطورة.