أسباب
الانهيار في التحقيق:
**************************
إن تحليلاً أعمق لجملة
المعطيات والحيثيات التي تحكم السلوك البشري، وفهم نمط العلاقة التي تربط الحركات
الإسلامية فيما بينها ،وإدراك الطبيعة الوظيفية لكل منها، كل ذلك يساعد في تشخيص
تلك العلل والأخطاء واستخلاص أساليب علاجها .
ولذلك فإننا سنتحدث
هنا بالتفصيل عن خطئين جوهريين يكتنفان كثير من التيارات الإسلامية:
اولاً
النمط الغريزي في
السلوك الإنساني:
*********************************
لقد شكل الإسلام
كعقيدة وشريعة ومنهج حياة، مدرسة تربوية سعت إلى صياغة الشخصية المسلمة وفق قيم
روحية وأخلاقية سامية، أهم ما قصدته التربية الإسلامية هو ضبط سلوك الإنسان ولكن
بعد أن حكمت المجتمعات الإسلامية قوى غريبة على الإسلام وأزاحته عن تصدر وقيادة
حياة المجتمع، وبعد أن طفت على سطح الحياة اليومية فئات تدعي الوصاية على الإسلام
والمسلمين وعملت على إفراغه من قيمه التربوية الرفيعة، وتغييب فاعليته في بناء
الفرد والمجتمع، فان هذه الفئات فصلت الإنسان المسلم عن قيمه الروحية وتراثه
ومعتقداته السامية، وأفرغته من الداخل فصار هشاً سهل الانكسار أمام الأعداء،
خاضعاً لغرائزه.
وفي أقبية التحقيق
كثيراً ما بدا المستجوَبُ ضعيفاً أمام المستجوِب، متأثراً ومبهوراً بقوة الخصم
وسعة معلوماته ومنهجية تفكيره وفي جانب آخر كانت حسابات "كثيرمن
الملتزمين" تظهر غير دقيقة وغير مدروسة، في تصور قوة الخصم وأساليب عمله.
من هنا فان النمط
الغريزي في الشخصية الإنسانية هو ذلك النمط الذي يمثل حالة الضعف القصوى، وضمور
المحفزات الثباتية والأخلاقية، حيث أن الفرد صاحب السلوك الغريزي يخضع للخوف
حفاظاً على نفسه، ويقدم منافعه الشخصية على الأهداف العليا، وحتى حين يؤمن بالفكرة
فهو أضعف في الدفاع عنها لأنه لا يملك الإرادة ولا الروح المؤمنة التي تساهم في
رفع الإنسان فوق المستويات العادية من السلوك الإنساني.
هذا تعريف عام للنمط
الغريزي، الذي شكل ويشكل أهم الأمراض الرئيسية في جدار المواجهة مع المحقق.
وسنتعرض فيما يلي لأهم
صفات هذا النمط:
خصائص النمط الغريزي :
*******
أ - ضعف الدافع:
*********
إذا أراد إنسان ما أن
يصل إلى هدف معين فإنه أولاً يحتاج إلى دافع يكبر في قلبه ويشد من عزيمته ويدفعه
لتحمل الآلام والمشقات والسير في الصعاب للوصول إلى الهدف ويكون الدافع عادة أسمى
من الحفاظ على الذات، فيندفع المرء لتحقيق هدفه السامي منشغلاً كل الانشغال عن
حاجات جسده وغير عابئ بما يعتريه من جراح ونكبات ومن جوع وآلام وغير منتظر مكافأة
، وغير مدفوع بترهيب وترغيب.
إن الدافع هو الإيمان
وهو العقيدة لأنها تغرس المحرك في النفس البشرية
*********************
ب - السلوك الغريزي :
***************
ينحصر تفكير الانسان
ذي النمط الغريزي في إشباع حاجاته من أكل وشرب ونوم ولباس وأشباع حاجته الجنسية .
وهو يستجيب للأحداث
استجابة تلبي إشباع هذه الحاجات . بحيث أن كل فعل يصدر عنه ينتظر مردوداً يكافئ
فيه هذا الفعل بما يتحقق مع هذه الحاجات .
ولذلك فإن استجابته لا
تنبع من عملية عقلية وبمعنى آخر فهو منفعل بالأحداث لا فاعل فيها إذ تكون ردود
أفعاله عاطفية ومتأثرة إلى أبعد الحدود ويكون سريع التوتر، سريع الهدوء، ويكاد لا
يصلح لمواجهة الأحداث الجسام والمآزق الخطرة.
********************
ج - حب البروز :
*************
إحدى الصفات الأساسية
لصاحب النمط الغريزي هي اهتمامه بأن يعرف الآخرون بأنه إنسان ذو شأن ومكانة عالية
تميزه عن غيره لذلك فإننا نراه يميل إلى نسج واختراع حكايات كاذبة يبدو فيها بطلاً
وهو حتى إذا كان يعمل فعلاً لقضيته فلن يتورع عن إفشاء ذلك حباً بإظهار ذاته غير
حاسب للعواقب الوخيمة وراء ذلك.
إن هذا السلوك يعبر عن
ضعف ومركب نقص نفسي لدى صاحب النمط الغريزي الذي تنعدم عنده أدنى حدود السرية،
ومعروف أن السرية هي أهم العناصر لنصرة أي قضية ولا يمكنها أن تعيش في قلب واحد
يملأه حب البروز.
******************
د - الانتماء العفوي :
**********************
كون صاحب النمط
الغريزي يتفاعل بدافع العاطفة لا العقل، فإن انتماءه لنصرة قضيته لا يكون إلا
انتماء عفوياً، بمعنى أنه انتماء غير خاضع لدراسة العقل والتمحيص وإيمان الروح،
فتكون نفسيته قلقة وشخصيته متقلبة وانتماؤه غير ثابت حيث قد يعرض لموقف عاطفي (من
صداقة وميل نفسي ونحوه) وسرعان ما يغير موقعه ويناصرقضية اخرى، وهذا عنصر غاية في
الإرباك لأي عمل يناصر أي قضية ، ويعرض العمل للانكشاف واضطراب خارطته.
************************
هـ - الجبن وعدم الثبات :
*********************
صاحب النمط الغريزي
عُرضةٌ للتأثير الشديد بالانفعالات والأحداث المفاجئة وهو لا يتقن التصرف في
الكثير من الأحوال ويميز الخوف الشديد سلوكه وتصرفاته، فإن رأى في المسجد غريبا
ظنه مخبرا، واذا نظر له رجلا ظنه مرشدا.
إنه شخص مرتجف وضعيف
مستلب لخيالات الخطر وأوهامه النابعة من داخله.
إنه إنسان تبعي منقاد
لغرائزه نراه سلساً متجاوباً مع ضابط امن الدولة أثناء التحقيق، ضعيفاً مرتعداً
أمام التعذيب وليس بوسعه أن يخفي شيئاً مهما صغر.
إن الإنسان الغريزي
يتصف باليأس والاحباط ، وهو مظهري السلوك متقلب عديم المبادرة، يتقدم الناس في
مواطن الراحة ويتراجع في مواطن الخطر ومؤكد بعد ذلك أن هذه الصفات إن وجدت في شخص
ما فإنها تحكم عليه بالتفكك والميوعة وان ظهرت في أي عمل حكم عليه بالفناء، وإذا
تفشت في المجتمع صار ملعباً للذل والهوان والخسران.
والإسلام وحده القادر
على تربية الشخصية وشفائها من احتمالات وجود بعض صفات النمط الغريزي :
(وننزل من القرآن ما هو
شفاء ورحمة للمؤمنين) [سورة الإسراء: