التعذيب بالضرب المبرح والزحف على الأرض


التعذيب بالضرب المبرح والزحف على الارض

تعددت وسائل الضرب سواءا فى استجوابات امن الدولة او فى المعتقلات بدءا من الضرب الشديد المتواصل بالايدى حيث كان الزبانية يتبادلون الادوار فى القيام بهذه المهمة ومرورا بالشوم والعصيان الغليظة وانتهاءا بالكرابيج وكابلات الكهرباء الغليظة كان الضرب يستمر فى الكثير من الاحيان ساعات طويلة حتى يحدث للاخ حالة من الاغماء من هول اللطمات ولسع الكرابيج والاسلاك والتى كانت تلتصق بها قطرات الدماء واجزاء الجلد المنسلخة من جسد المعتقل يحكى لى احد اخوانى ممن قابلتهم فى المعتقل وكان رجلا فى الاربعينات من عمره من اهل الصعيد الطيبين انه  فى اول مرة دخل فيها لغرفة التعذيب وكانت الغماية على عينه الا انه استطاع رؤية العديد من زجاجات البيبسى كولا الزجاجية الفارغة ملقاة على الارض والدماء تلطخ الزجاجات فاخبرنى انه تعجب بشدة من هذا المنظر حتى فهم ما يحدث حينما راى الاجساد العارية المعذبة المنهكة المغطاة بالدماء ملقاءة على الارض وحتى تعرض هو بنفسه لنفس ما تعرضوا له من التعذيب , اذكر حينما كنا جالسين على الارض فى اروقة لاظوغلى اثناء استجوابنا جاءت مجموعة من الشباب محوّلين من مكتب امن الدولة بمصر الجديدة اذ كانوا من سكان حدائق الزيتون  وجلسوا بجوارنا ملقون على الارض ولم نكن نرى شيئا لان الغماية كانت على اعيننا وكذلك هم ايضا ولكنى سمعت الشاب الذى كان بجوارى يئن من اثار الالم والتعذيب والذى عرفت بعد ذلك انه مورس عليه ايام طويلة كل انواع التعذيب الممكنة وفجاءة وجدت راس اخى هذا الذى يئن يقع على كتفى وهو فى حالة اعياء شديدة ويقول بوهن شديد( ميّه ميّه –اااااااه-اااااه- ميه ميه)  وكان الجلادون يجلسون فى نهاية الطرقة يشاهدون فيلما لسعاد حسنى كما كان يصل الصوت لمسامعى وكانوا فى حالة اندماج كما كان يظهر من تعليقاتهم سويا على الفيلم فاستغللت هذا الامر وهمست بصوت خفيض لاخى من حولى (مالك يا اخى انت حاسس بايه فاجابنى عطشان ميّه ميّه انا تعبان ميّه) فلم اتمالك نفسى فتجاسرت على رفع صوتى وقمت بمناداة الجلادين اطلب منهم المياه لاخى فلم يجيبونى فكررت الطلب فصاحوا بى وقالوا لى (خليك فى حالك مالكش دعوة بيه) فانتظرت قليلا ولا زالت انّات اخى مستمرة  حيث كان من الواضح انه تعرض لتعذيب شديد كررت طلبى مره اخرى حتى استجابوا واحضروا له زجاجة مياه وبعد عدة ساعات قاموا بنقل هؤلاء الشباب الى الحجز السفلى وبعد عدة ايام اخرى قاموا بانزالنا ايضا فقابلت الاخ وكان قد تعافى قليلا اثر رعاية اخواننا من المحتجزين والمعتقلين له وتعرفت عليه وكان اسمه احمد ولكن الطريف فى الامر انه كان اسمه احمد محمد محمد الاودن حفيد الشيخ محمد الاودن فمن هو  العالم الربانى محمد الاودن؟
ولد في عام 1894م وكان أستاذ الحديث بجامعة الأزهر وواحدا من خمسين عالما كان يضع دستور مصر في 13 يناير 1953م.
وفي أحداث عام 1965م كان قد تجاوز الثمانين عاما وقد اعتقل كل أبناءه وحينما طلب من النظام أن يخرج احد أبناءه ليخدمه أمر شمس بدران جلاد عبد الناصر باعتقاله أيضا ساخرا بقوله حتى يخدمه أبناءه فى السجن،
فإن الحقد والضغينة التي ملأت قلب شمس بدران علي الشيخ محمد الأودن جعلته يصمم علي قتله وافتعال الأقوال التي يستند عليها لتنفيذ جريمته ضد هذا الشيخ الكبير السن الذي كان يبلغ الثمانين من عمره في ذلك الوقت.

وادخلوه السجن ووضعوا معه كلابا جائعة كى تنهش لحمه، فماذا حدث قال شمس بدران لأحد جنوده اذهب ونظف الحجرة من دم الشيخ فعاد الجندي والعجب يملا وجهه فسأله بدران:

ما حدث له؟ قال والله لقد رأيت عجبا

رأيت الشيخ ساجدا والكلب واقف بجانبه يحرسه.





وصفه الدكتور القرضاوي بقوله: الشيخ محمد الأودن، الرجل الربَّاني، الذي كان يتدفق إيمانًا وروحانية، ولم يدرسني في الكلية، ولكني زرته في بيته في الزيتون، والتقيت به، واستمعت إليه، وهو يعطي جليسه شحنة روحية قوية؛ لأن كلامه يخرج من قلبه فيلامس القلوب.

فسبحان الله العظيم تدور السنين والعقود حتى يكتمل نصف قرن من الزمان ويتعرض الحفيد لما تعرض له الجد الاكبر ولنفس الاسباب وبايدى احفاد الجلادين وكان الحفيد احمد الاودن رغم مكثى معه ثلاثة اسابيع فقط الا انه كان طيبا جدا رقيق القلب حافظا للقران محبا لكتاب الله وكان ذا خلق رفيع تستشعر منه اخلاق الرجولة الحقيقة حيث تعرض للكثير من انواع التعذيب حتى يدلى باقوال كاذبة تدين زملائه وتورطهم وهو ثابت على ذكر الله يحتمل هذا التعذيب فى سبيل الله

مقتطفات من شهادة المعتقل السابق حسن على فى كتابه محنة الاسلاميين

وقد أصبحت هناك سمة عامة في السجون هو أن تقوم إدارة السجن بإعداد حفلة لاستقبال القادمين إلى السجن ولكنها ليست حفلة ترفيهية أو موسيقية طبعا بل هي حفلة يكون الموت أقرب إلينا من الحياة، فبمجرد أن ننزل من سيارة الترحيلات يبدأ الضرب وكان العساكر يقفون في تشكيلات ومجموعات مختلفة فبعضهم في شكل دوائر والبعض يقف صفين وآخرين يتحركون ذهابا وإيابا مع القادمين إلى السجن وفي يد كل واحد منهم أشياء مختلفة فبعضهم يمسك في يده خرزان وآخر عصى والبعض قطعة من الجلد أشبه بالكرباج وآخر الحزام الميري، فكل من يدخل بوابة السجن يقوم بخلع ملابسه حتى يكون الضرب على الجلد مباشرة ويأخذوا كل متعلقاته الشخصية ثم يذهب من ينتهي من ذلك إلى الحلاقة والتي تتم بصورة عشوائية فيحلق جزء ويترك الآخر كل ذلك والضرب والشتائم تنزل عليهم من كل جانب ثم تبدأ رحلة الدوران على كل مجموعة من العساكر تنتظر من يدخل في الوسط لكي يقوموا بضربه وكل مجموعة تسلم للأخرى فهذه بالعصي وهذه باليد وأخرى بالفلكة وهكذا.
وكانوا يطلبون أشياء تعجيزية بهدف السخرية وزيادة الضرب فكانوا على سبيل المثال يرسمون سلم على سور السجن من الداخل أو تليفزيون ويطلبون منهم أن يصعدوا السلم أو يفتحوا التليفزيون وأحيانا أخرى أن يبحثوا عن نملة عرجاء أونملة ذكر وغير ذلك وهم يستمرون في الضرب وسط هذه المهزلة وكل مجموعة تحاول أن تنفذ ما يطلب منها، فكان هناك من يسقط على الأرض مغشيا عليه فلا يتركونه بل يركلونه بأرجلهم إلى أن يعود إليه وعيه ثم يشتدوا عليه مرة أخرى، وكانوا يطلبون أيضا أن يهتفوا بحياة ضباط السجن وأن يسبوا بعض الدعاة المشهورين... أو أن يغنوا، كل ذلك وسط الصراخ من شدة الألم، وكان الضباط يشاركون في هذه الحفلة فيقوم بعضهم بالضرب بالفلكة وآخر بالعصا التي يمسك بها في يده وعندما سقط أحد الإخوة قام محمد فريد أحد الضباط بالوقوف فوق ظهره ووضع ضابط المباحث عماد حذائه فوق رأسه وأخذ خالد الديب ضابط السجن في ضربه وهو على هذه الحالة لا يستطيع أن يستغيث أو يتحرك وكان بعضهم يجلس ليشاهد الموقف من بعيد وكأنهم يشاهدون فيلما سينمائيا)

(ولقد علمنا بعد ذلك أن كثير من حالات التعذيب هنا قد تم تصويرها للإدارة العليا في الوزارة ليرفعوا بها تقرير بعد ذلك للوزير فكان البعض يشاهد كاميرات تصور من بعد، وقد تكرر هذا الأمر في سجون مختلفة.)



(لم يكن التعذيب والضرب يقتصر فقط على ذلك أثناء الدخول بل عند حدوث أي شيء تستغله الإدارة لمعاقبة الجميع فعندما وجدوا راديو في أحد العنابر فقاموا بإخراج كل من فى السجن عرايا مجردين من ملابسهم وقاموا بضربهم وتفليكهم (ضربهم على الفلكة) ثم أخذوا من كل عنبر بعض الأفراد لا ذنب لهم ولا يعلمون شيئا عن ذلك الراديو وضربوهم أيضا، وكانت عندما تأتي قوات مصلحة السجون للتفتيش كانت تقوم بضرب السجن كله.)

ويستمر حسن على فى شهادته على حفلات التعذيب فى استقبال سجن الوادى الجديد

توقفت السيارات أمام بوابة السجن بعدما يقرب من أربعة عشر ساعة من الإرهاق والتعب والزحام الشديد ثم فتحت البوابة وتحركت أول سيارة في اتجاه السجن وعندما تخطت حاجز البوابة أغلقت وكأنما ابتلعها السجن، كان الجميع في الخارج يترقب ويتطلع لعل أحد يستطيع أن يعرف مصير من في السيارة الأولى فهل ستتوقف مسيرة الحياة عند هذه البوابة أم ستعبر معهم نهر الحياة إلى داخل هذا المكان المجهول؟ كانت هذه أسئلة تدور في الأذهان في هذه اللحظات الحاسمة والتي كان السكون يلف المكان والصمت يضرب بأطنابه حولهم مما يزيد الأمر حيرة.
كان المشهد من الداخل يختلف تماما فكانت الصورة مرعبة فهناك أعداد كبيرة من القوات منتشرة في المكان في تشكيلات وأوضاع مختلفة وكان يوجد عدد كبير من الضباط والمخبرين يتوسطون تلك القوات، والذي كان بعضهم يقف أمام البوابة من الداخل في ساحة السجن وآخرين في داخل مبنى الإدارة وآخرين منتشرين في الطرق المؤدية إلى العنابر وقد وقفوا وكأنهم وحوش ضارية، ينتظرون الفريسة التي ستلقى إليهم ليفترسوها، فما أن تدخل السيارة وتغلق البوابة خلفها حتى يهرع إليها عدد من العساكر يلتفون حول السيارة ويضربون جوانبها بالعصي ليبثوا الرعب في قلوب من بداخلها مع الشتائم والسباب والتهديد والوعيد بما سيجدونه فما أن يفتح باب السيارة الخلفي حتى تصعد هذه الوحوش لتلتهم ضحيتها فلا ينتظرون أن تنزل إليهم بل كانوا يدفعونهم من أعلى السلالم ليسقط الجميع على بعض ثم يجلسون على الأرض بجانب السيارة لفك الكلابشات وأخذ جميع المتعلقات منهم كالمصحف والشباشب والساعات حتى إنهم لم يستجيبوا لتوسلات أحدهم عندما طلب منهم أن يتركوا له نظارته لأنه لا يستطيع أن يرى بدونها، كما كانوا يجردونهم من ملابسهم وكان يتم ذلك وسط صفعات بالأيدي وركلات بالأرجل والذي لا يعتبر شيء لما سيلاقونه بعد ذلك، وكان البعض من شدة الارتباك لا يدري ماذا يفعل هل يخلع ملابسه أم يحمي نفسه من ضربات العصي والتي تهوي على الرؤوس بدون رحمة وإذا تأخر أحد في خلع ملابسه كانوا يمزقونها وبعد أن أصبحوا مجردين من الملابس كان عليهم أن يمشوا على أربع اليدين والركبتين في صفوف خلف بعض في اتجاه مبنى الإدارة لأخذ بياناتهم، كان عليهم أن يسيروا بهذا الوضع المهين والضرب يلفح ظهورهم بالسياط وكان بعض العساكر يجلس فوق ظهر أحدهم ويضربه بقدمه في جبينه لكي يسير به وعندما يسقط على الأرض خاصة وهو لا يستطيع أن يصعد درجات السلم في مدخل الإدارة بهذا الحمل كان يضربه على رأسه، وفي داخل المبنى كان هناك أمرا آخر كانت الحركة سريعة فما أن ينتهي أحدهم من الحلاقة يذهب به إلى أحد المكاتب لأخذ بياناته ثم إلى مكتب آخر حتى ينتهي من تلك الإجراءات ثم بعد ذلك ومن أجل الخروج من المبنى كان لابد من الزحف على أرضية المبنى الرخام بل وتقبيل الأرض بصوت مرتفع كما كانوا يتعمدون إهانتهم فيأمرونهم أن يقلدوا أصوات القطط والماعز ولا مانع من أصوات الكلاب أيضا حتى يخرجوا من المبنى بهذا الوضع فيتم تجميع هذه الأعداد خارج المبنى لتبدأ رحلة الذهاب إلى العنابر، كانت المسافة طويلة ومجهدة وخاصة أنهم لا يقطعونها سيرا على الأقدام بل زحفا على الإسفلت بأجسادهم العارية وكانت السياط والكابلات تنهال عليهم أثناء الطريق لتنهش من ظهورهم وتتطاير قطع اللحم فتتناثر في الطريق وكان الإسفلت في نفس الوقت يمزق أجسامهم من أسفل فكانوا بين نار السياط من أعلى ولهيب الإسفلت من أسفل، كان عليهم أن يقطعوا مسافة بهذا الوضع ثم يسيرون مرة أخرى على أيديهم وركبهم حتى كاد العظم أن يظهر عند بعضهم بعدما تآكلت جلودهم وتمزقت أجزاء من لحومهم ثم يعودون إلى الحالة الأولى وكان يقف أحد العساكر في منتصف الطريق وهم بهذه الحالة على ظهر أحدهم ويأمره أن يزحف وعندما يعجز عن ذلك ينهال عليه سبا وضربا بكابلات الكهرباء كل ذلك كان يتم وسط صرخات الألم واستغاثات الرحمة والتي كانت تضيع بين ضجيجهم وصخبهم وأصوات السياط التي تنهال عليهم وكانوا يقولون لا جدوى من تألمكم أو صراخكم، كانت الدماء وقطع اللحم والجلد المتناثرة منتشرة على طول الطريق، وكان عليهم أن يقطعوا هذه المسافة والتي تقدر في هذه الظروف بالأميال إلى أن يتوقفوا عند مدخل العنبر.
كانت تدخل سيارة إثر أخرى تفرغ حمولتها من الضحايا ثم تخرج وكانت المجموعات تنزل بالتتابع فما أن تنتهي مجموعة من مرحلة حتى تدخل الأخرى مكانها فكان التعذيب ممتدا من بوابة السجن إلى باب العنبر وكأن الناظر لهذا المشهد المأسوي والممتد لهذه المسافة الطويلة وصور التعذيب المختلفة التي تقشعر منها الأبدان والدماء المتساقطة وقطع اللحم المتناثرة وكأنه يشاهد فيلم وثائقي عن معسكرات التعذيب النازي بل إن مشاهد الفيلم لا تنقطع عند مدخل العنبر بل هي ممتدة لما بعد ذلك، فعند باب كل عنبر يقف أحد الضباط وفي يده عصى يضرب بها كل من يزحف من بين قدميه، كان على الجميع أن يقبل مدخل العنبر أثناء الزحف قبل الدخول إلى العنبر كما كان

عليهم ألا يرفع أحد رأسه إلى أعلى منذ لحظة دخوله السجن حتى لا يرى أحد ولا ما يحدث حوله وعندما اخطأ أحدهم ورفع رأسه فلمحه الضابط فما كان من العسكري الذي يقف بجواره إلا أن ضربه على رأسه فاصطدمت بالأرض فتدفق الدم منه بغزارة يملأ الأرض ثم كان جزاؤه على ما فعله أن يقبل الحذاء الميري للضابط وكان هذا ما أمر به فركله العسكري بقدمه بقوة على فمه المصاب ليقبل حذائه والدماء تتساقط عليها ثم أكمل مسيرة الزحف بين قدمي الضابط إلى داخل العنبر وعندما وصل بمنتصف جسمه بين قدميه أغلقهما عليه وأخذ ينهال عليه بالعصي التي كانت في يده ثم تركه بعد ذلك ليواصل الزحف إلى داخل العنبر ليجد أمين الشرطة ومجموعة من العساكر يتلقون من يأتي إليهم بالضرب والزحف على الأرض مع وضع أيديهم خلف ظهورهم حتى باب الزنزانة ثم يتم دفعهم إلى الداخل وغلق الباب عليهم.
وقد لخص أحد الزبانية فلسفة السجن عندما كان يقف وسط هذه المجزرة ويقول مفتخرا "إن الله عندما خلق جهنم نسي جزء منها، هذا السجن هو ذلك الجزء الذي نسيه الله من جنهم"، قال ذلك حتى يقطع عليهم أي أمل في رحمة أو شفقه أو أن ترق لهم قلوب أحد منهم في هذا المكان.
لا يشك أحد منذ أن وطئت قدماه السجن ورأى ما رأى أن الحياة فيه ستكون سهلة بل قاسية ولكن لم يكن يتصور أن تكون بهذا الحجم من القسوة، فعندما كانت تأتي كل مجموعة يتم دفعهم داخل الزنزانة فبعضهم لم يجد شيء في الزنزانة والبعض الآخر وجد بدلة لكل واحد وبطانية،
وقد باتوا ليلتهم وقد بلغ بهم من الإعياء والجهد مبلغ فقد اجتمع عليهم عذاب السفر بلا نوم أو طعام مع الإجهاد والإرهاق نتيجة رحلة العذاب من باب السجن إلى باب الزنزانة والتي استغرقت من آذان الظهر إلى آذان المغرب ولم يمنعهم من مواصلة المسيرة إلا أن تركوهم بهذه الحالة بلا طعام أو شراب وذهبوا ليتناولوا طعام إفطارهم لأنه كان يوم من أيام شهر رمضان وكأن هؤلاء الأسرى هم من اليهود وليسوا مسلمين لم تكن جريرتهم إلا أن وقفوا ضد الظلم و الطغيان ثم عادوا مرة أخرى بعد صلاة العشاء ليكملوا معهم مسلسل التعذيب، وقد باتوا ليلتهم وهم منزوون في أحد الزوايا منكمشون على أنفسهم من شدة البرد يفترشون الأرض ويلتحفون بجلودهم ولا يجدون ما يسد به رمقهم من شدة الجوع فباتوا ولا يعرف أحد ما مصيره ولا كيف ستسير بهم حياتهم ولا ما تخبئ لهم الأيام في باطنها.)


ثم يتحدث عن التعذيب فى استقبال معتقل الفيوم قائلا
وفى الطريق الى سجن الفيوم

كنا ندعو الله أثناء الطريق وعندما توقفت السيارات أمام السجن أن يكلأنا برحمته وأن يخفف عنا ما نحن مقدمون عليه، عندما دخلت السيارة إلى السجن كان هناك عدد من العساكر تتسابق أيهم يلتهم فريسته أولا وأخذوا يضربون بالعصي التي في أيديهم السيارة من الخارج وعندما فتح الباب اندفعنا
في أول مجموعة من السيارة حتى لا نعذب مرتين مرة عند سماع أصوات التعذيب لمن سبقنا ونحن في انتظار ما سيحدث لنا ومرة عند وقوعه علينا ففضلنا أن يكون مرة واحدة فقط وليقضي الله أمرا كان مفعولا، عندما اندفعنا إلى أسفل أخذوا منا كل ما نملك من أمتعة وملابس والمصاحف وغيرها حتى الشباشب والأحذية لم يتركوها لنا ثم انهالوا علينا بالضرب إلى مبنى الإدارة لأخذ بيانات الدخول فكنا ننتقل من مكتب إلى آخر بسرعة من الضرب والشتائم وكانوا يأمرونا أن نجري بسرعة ثم نتوقف فجأة فيسقط بعضنا على بعض، وبعدها قاموا بتجميعنا خارج مبنى الإدارة في الطريق المؤدي إلى العنابر فكنا نسير ونحن منحنيي الظهر والعساكر لا تتوانى عن الضرب فوق ظهورنا العارية حتى وصلنا إلى العنابر فتم توزيعنا على الزنازين وكانت الساعة الثانية ليلا فحمدنا الله فكنا نتوقع أكثر من ذلك، كان لكل واحد بطانية وبدلة فقط وكان لا يوجد أطباق فكنا نضع الطعام على الأرض عند استلامه .

ثم يتحدث عن التعذيب اثناء الاستحمام الجماعى الاجبارى

فعندما كانوا يأتون إلينا للخروج للاستحمام كنا نعلم ذلك من خلال الصخب والضجيج الذي يحدثه عبد العال وزبانيته في الصباح والعساكر التي تنتشر في طرقات العنبر لتنظر من نافذة الباب حتى يلاحظوا من يخالف التعليمات فعلى الجميع أن يخلع ملابسه ويظل واقفا رافعا يده إلى أعلى في انتظار الدور وكانت تخرج كل زنزانة على حدة فتبدأ معاناتهم من لحظة خروجهم وهم معصوبي الأعين يضع كل منهم يده على كتف من أمامه في طابور طويل في هذه الطرقة الضيقة وكان يقف على جنبات الطريق عدد من العساكر يضربون كلمن يمر عليهم، أحدهم بقدمه وآخر بيده وثالث بصفعة إلى أن يصل الجميع إلى مكان الاستحمام في نهاية العنبر ليجدوا في انتظارهم عبد العال ومعه عدد من العساكر فكانت تدخل كل مجموعة تحت الماء ثم تخرج والضرب ينهال عليهم أثناء الاستحمام ثم تدخل مجموعة أخرى إلى أن يتم تجميعهم في الخارج فكل مجموعة تخرج عليها أن تقف ووجوههم إلى الحائط رافعين أيديهم في انتظار باقي المجموعات وعندما يكتمل العدد ثم يبدأ الضرب مرة أخرى على ظهورنا والماء يتساقط منا ثم تبدأ رحلة العودة إلى الزنزانة والتي تكون أشد من الذهاب لأننا في أثناء الاستحمام كان أحدهم يقوم بنشر حبات الرابسو على الأرض وتكون أرجلنا مبللة بالماء وأجسادنا يتساقط منها الماء أيضا وكان علينا أن نجري بسرعة في هذا المكان لكي نتفادى الضرب الذي كان يأتينا من جنبات الطريق فكنا نسقط على الأرض من الرابسو الذي وضع لنا في الطريق ولا يكاد البعض يقف حتى يتوقف الضرب عليه حتى يسقط مرة أخرى وكان البعض يهيم على وجهه فهو لا يرى أحد ولا يسمع غير الصراخ والصخب الشديد فكان منا من يصطدم بالحائط أو أن يسقط بعض الأفراد على بعض نتيجة الاندفاع وسقوط أ؛دهم وهكذا وأحيانا يكون السقوط متعمدا من قبل العسكري الذي يقف في الطريق بأن يضع قدمه حتى ينهال عليه بالضرب ويستمر الوضع هكذا بين سقوط ومحاولة للقيام بسرعة لتفادي الضرب إلى أن يصل الجميع باندفاع إلى الزنزانة والذي كان يقف بجوار الباب مجموعة من العساكر وكانوا قد وضعوا عند مدخل الزنزانة بعض المراهم حتى يمر عليها من يأتي مندفعا فيسقط داخل الزنزانة ويأتي الآخر وهكذا يسقط الجميع فوق بعض وهم يقفون يضحكون من هذا المشهد الكوميدي ولكنها الكوميديا السوداء، كان هذا المشهد يكاد يتكرر كل أسبوع أو أسبوعين وخاصة في السنوات الأولى، لم يكن هذا الأمر من أجلنا فهم يعلمون إننا أ؛رص الناس على النظافة ويوجد حمام في كل زنزانة ولكن من أجل أن نتجرع صنوف العذاب فكنا نعود في كل مرة وقد مسحنا الأرض بأجسادنا ) 

إقرأ أيضا : التعذيب بالتعليق والتذنيب والتنظيم       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق