الشهيد المفسّر الأديب سيد قطب




الشهيد المفسّر الأديب 
سيد قطب

المساومة قبل الإعدام

تقول الداعية زينب الغزالي ׃
"... طلب الطغاة حميدة قطب ليلة تنفيذ الحكم بالإعدام. فقالت׃ استدعاني حمزة البسيوني إلى مكتبه وأراني حكم الإعدام والتصديق عليه ثم قال لي إن الحكومة مستعدة أن تخفف هذا الحكم إذا كان شقيقي يجيبهم إلى ما يطلبونه ثم أردف قائلا إن شقيقك خسارة لمصر كلها وليس لك وحدك... إننا نريد أن ننقذه من الإعدام بأي شكل وبأي وسيلة .
إن بضع كلمات يقولها ستخلصه من حكم الإعدام ولا أحد يستطيع أن يؤثّر عليه إلا أنت . أنت وحدك مكلفة بأن تقولي له هذا ... نريد أن يقول إن هذه الحركة كانت على صلة بجهة ما.. وبعد ذلك تنتهي القضية بالنسبة لك. أما هو فسيفرج عنه بعفو صحي.
قلت له ولكنك تعلم كما يعلم عبدالناصر أن هذه الحركة ليست على صلة بأي جهة من الجهات . قال حمزة البسيوني ׃ أنا عارف وكلنا عارفون أنكم الجهة الوحيدة في مصر التي تعمل من أجل العقيدة... نحن عارفون أنكم احسن ناس في البلد .. ولكننا نريد أن نخلص سيد قطب من الإعدام.
فقلت له إذا كان سيادتك عاوز تبلغه هذا فلا مانع.
وذهبت إلى سيد شقيقي وسلمت عليه وبلغته ما يريدون منه فنظر إلي ليرى اثر ذلك على وجهي وكأنه يقول׃ أأنت التي تطلبين أم هم ؟ واستطعت أن افهمه بالإشارة انهم هم الذين يقولون ذلك . وهنا نظر إلي وقال ׃ ولله لو كان هذا الكلام صحيحا لقلته ولما استطاعت قوة على وجه الأرض أن تمنعني من قوله. ولكنه لم يحدث وأنا لا أقول كذبا أبدا.
... وأفهمت أخي بالحكاية من أولها وقلت له إن حمزة استدعاني وأراني تنفيذ حكم الإعدام وطلب مني أن اطلب منك هذا الطلب.
سأل ׃ وهل ترضين ذلك ؟ قلت لا . قال إنهم لا يستطيعون لأنفسهم ضررا ولا نفعا ... إن الأعمار بيد الله وهم لا يستطيعون التحكم في حياتي ولا يستطيعون إطالة الأعمار ولا تقصيرها.. كل ذلك بيد الله والله من ورائهم محيط...
..وبعد أيام سمعنا عن تنفيذ الحكم وقد ضرب أفراد من الجيش اعتمروا الخوذات الفولاذية وتزودوا بالرشاشات الثقيلة حصارا حول سجن القاهرة حيث تم تنفيذ حكم الإعدام بعد أن منع الصحفيون من دخول السجن وطلب منهم مغادرة المنطقة... أما من ناحية الدفن فإنه قد تم من قبل السلطات الرسمية وبصورة سرية في إحدى مدافن القاهرة

شاهد يروي

الأستاذ سيد قطب في طريقه الى المحكمة
إن في بذل العلماء والدعاة والمصلحين أنفسهم في سبيل الله حياة للناس ، إذا علموا صدقهم ؛ وإخلاصهم لله عز وجل .
ومن هؤلاء الدعاة والمفكرين.. "سيد قطب" رحمه الله ، فقد كان لمقتله أثر بالغ في نفوس من عرفوه وعلموا صدقه ، ومنهم اثنان من الجنود الذين كلفوا بحراسته وحضروا إعدامه .
يروي أحدهما القصة فيقول :
هناك أشياء لم نكن نتصورها هي التي أدخلت التغيير الكلي على حياتنا..
في السجن الحربي كنا نستقبل كل ليلة أفرادا أو جماعات من الشيوخ والشبان والنساء ، ويقال لنا : هؤلاء من الخونة الذين يتعاونون مع اليهود ولابد من استخلاص أسرارهم ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأشد العذاب ، وكان ذلك كافيا لتمزيق لحومهم بأنواع السياط والعصي ، كنا نفعل ذلك ونحن موقنون أننا نؤدي واجبا مقدسا ، إلا أننا ما لبثنا أن وجدنا أنفسنا أمام أشياء لم نستطع لها تفسيرا ، لقد رأينا هؤلاء " الخونة " مواظبين على الصلاة أثناء الليل وتكاد ألسنتهم لا تفتر عن ذكر الله ، حتى عند البلاء !
بل إن بعضهم كان يموت تحت وقع السياط ، أو أثناء هجوم الكلاب الضارية عليهم ، وهم مبتسمون ومستمرون على الذكر .ومن هنا.. بدأ الشك يتسرب إلى نفوسنا.. فلا يعقل أن يكون مثل هؤلاء المؤمنين الذاكرين من الخائنين المتعاملين مع أعداء الله .
واتفقت أنا وأخي هذا سرا على أن نتجنب إيذاءهم ما وجدنا إلى ذلك سبيلا ، وأن نقدم لهم كل ما نستطيع من العون .
ومن فضل الله علينا أن وجودنا في ذلك السجن لم يستمر طويلا.. وكان آخر ما كلفنا به من عمل هو حراسة الزنزانة التي أفرد فيها أحدهم ، وقد وصفوه لنا بأنه أخطرهم جميعا ، أو أنه رأسهم المفكر وقائدهم المدبر (هو سيد قطب رحمه الله) .
وكان قد بلغ به التعذيب إلى حد لم يعد قادرا معه على النهوض ، فكانوا يحملونه إلى المحكمة العسكرية التي تنظر في قضيته .
الإعدام
وذات ليلة جاءت الأوامر بإعداده للمشنقة ، وأدخلوا عليه أحد الشيوخ !! ليذكره ويعظه !! وفي ساعة مبكرة من الصباح التالي أخذت أنا وأخي بذراعيه نقوده إلى السيارة المغلقة التي سبقنا إليها بعض المحكومين الآخرين.. وخلال لحظات انطلقت بنا إلى مكان الإعدام.. ومن خلفنا بعض السيارات العسكرية تحمل الجنود المدججين بالسلاح للحفاظ عليهم..
وفي لمح البصر أخذ كل جندي مكانه المرسوم محتضنا مسدسه الرشاش ، وكان المسئولون هناك قد هيئوا كل شئ.. فأقاموا من المشانق مثل عدد المحكومين.. وسيق كل مهم إلى مشنقته المحددة ، ثم لف حبلها حول عنقه ، وانتصب بجانب كل واحدة " العشماوي " الذي ينتظر الإشارة لإزاحة اللوح من تحت قدمي المحكوم.. ووقف تحت كل راية سوداء الجندي المكلف برفعها لحظة التنفيذ .
كان أهيب ما هنالك تلك الكلمات التي جعل يوجهها كل من هؤلاء المهيئين للموت إلى إخوانه ، يبشره بالتلاقي في جنة الخلد ، مع محمد وأصحابه ، ويختم كل عبارة بالصيحة المؤثرة : الله أكبر ولله الحمد .
وفي هذه اللحظات الرهيبة سمعنا هدير سيارة تقترب ، ثم لم تلبث أن سكت محركها ، وفتحت البوابة المحروسة ، ليندفع من خلالها ضابط من ذوي الرتب العالية ، وهو يصيح بالجلادين : مكانكم !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق