الطبيب المعتقل




الطبيب المعتقل

كان بعض الاخوة المعتقلين من الاطباء او الصيادلة او طلبة كلية الطب فكان ذلك بمثابة متنفس للمعتقلين نظرا لللاوضاع الصحية  السيئة وانعدام الرعاية الطبية كما فصلنا فى الفصل السابق فكان الاخوة الا طباء يقومون بالكشف على الاخوة ويقتصر الوضع على زملاء الزنزانة فى سنوات غلق الزنازين او حين ينزل الاخ الطبيب الى افراج لاظوغلى فيلقى الاخوة المرضى ويقوم بالكشف عليهم جميعا رغم عدم توفر ادوات الكشف او يكون الكشف شفويا من خلف ابواب الزنازين المغلقة ويصف الاخ الطبيب الدواء فاما ان يكون متوقر فى صيدلية العنبر التى يقوم الاخوة بتجميع الدواء فيها لمن يحتاج او ينتظر المريض حتى يرسل الى اسرته رسالة فيقومون بارسال الدواء له بعد عدة ايام او يقوم احد الاخوة الذين ينزلون الى الجلسات بجلبها من اسرته واعطائها لزميله المريض وبمرور السنوات وتعدد الحالات المرضية فى هذه الظروف العصيبة تمكن العديد من الاخوة من اتقان بعض انواع التشخيص والعلاج بالممارسة والاحتكاك بالمعتقلين الاطباء والصيادلة  هذا بالاضافة للكثير ممن كان يتقن الطب النبوى كالحجامة والعلاج بعسل النحل وكذلك الطب البديل بالاعشاب فكان فى هذه الامور سبيلا للتخفيف من حجم معاناة المرضى وبعد فتح الزنازين اصبح هناك ما يشبه العيادة الدورية والتى كان مقرها احدى الزنازين ويقوم الطبيب المعتقل بالكشف على زملائه ويكون هناك التخصصات المختلفه وكان العائق الوحيد هو عدم توفر غالبية التجهيزات الطبية او ادوات الكشف المناسبة اذا كان اقصى المتاح السماعة الطبية وجهاز قياس ضغط الدم والسكر فى بعض الاحيان وكان للطب النبوى والطب البديل فى هذا الموطن عظيم الاثر فى المساعدة على التداوى فكان الاخوة يستخدمون الحجامة لتخفيف الام وعلاج الجيوب الانفية والصداع والام الظهر والعنق وكان بعض الاخوة الذين يعانون من الجيوب الانفية وازمات النفس يلجئون الى استنشاق بخار البصل  المتصاعد بعد غليانه فى التخفيف من حدة معاناتهم
الى جانب الانواع المتعددة من العلاجات باستخدام عسل النحل والاعشاب
وكان الاخوة يهتمون بالنظافة والحفاظ على نظافة الزنزانة رغم قلة الامكانيات اشد الاهتمام حتى تتوفر البيئة المناسبة للتعافى والوقاية من انتشار الامراض واهم ما كان يقوم به الاخوة المعتقلون مع المريض هو متابعة حالته النفسية وملازمته ومساعدته على تجاوز محنة مرضه اذكر احد الاخوة والذين كانوا بعانوا من تليف للكبد ويقيئون الدم وترتقع درجة حرارتهم لتتعدى الاربعين وحينها تكون الحالة النفسية للاخ المعتقل سيئة للغاية حيث يشعر بقهر الاسر وضيق القيود وحجز الاسوار والغربة عن اسرته ثم يزيد على ذلك قسوة المرض ووهن الجسد وقلة الحيلة وندرة الرعاية الطبية مجموعة من العوامل التى تجعل هذا الاخ المعتقل المريض فى امس حاجه لمن يرعاه ويهون عليه ويشد من ازرة اذكر هذا الاخ المريض واخ اخر لنا مهندس للكمبيوتر يجلس معه يلازمة طوال الاربع وعشرين ساعة يعطيه الدواء ويضع على راسه الكمادات ويوضئه ويجلسه للصلاة وياخذه للحمام اخذت اتامل هذا المشهد كثيرا اذ كنا وقتها فى حجز لاظوغلى فالاخ المريض كان معتقل من ما يزيد على العشر سنوات واجتمعت عليه مرارة الاسر ومرارة المرض ومرار التفكك الاسرى اذ تطلقت منه زوجته وكان له منها ولد وبنت وكانت تمنعهما من زيارته منذ ان تطلقت فقلبه قلب اب مسلم اسير مريض لا يجد طبا يداويه فقد زوجته ولا سبيل ليرى اولاده وكان مع كل هذا طيب القلب هادىء الطباع تكاد تسمع صوته بالكاد حين يتكلم بشوش الوجه حين يتعافى قليلا تتقاطر منه كلمات الصبر والاحتساب واللجوء الى الله وعلى الطرف الاخ كان الاخ المعتقل مهندس الكمبيوتر الذى يلازمه الفراش ويراعيه معتقل منذ سنتين وفقط وكانما شاء الله ان يعتقل مثل هذا الاخ حتى يكون عونا للاول فى مرضه بالطبع كان جميع الاخوة لا يتاخرون عن المساعدة للاخوة المرضى ورعايتهم ولكنى لا اتكلم عن الرعاية وفقط وانما اتكلم عن الكم الرهيب من التفاعل النفسى والعلاقة القلبية الرحيمة التى حدثت بين الاخوين فلقد كنت اراه يجلس بجانبه حتى وهو نائم وبدلا من ان يقوم من جانبه ليستريح هو اذ به يظل مرافقا له حتى يستطيع سماعه اذا تاوه جلست اتامل هذا المشهد وعيناى تدمعان على تدبير الله وتاليفه بين القلوب وعلى معية الله لهذا الاخ المريض اذ ارسل الى المعتقل من يكون سببا فى تهوين محنته ولذلك من حينها ونا احب هذا الاخ المهندس محبة شديدة فى الله وبعد خروجى من اسرى بسنوات قابلته فى احدى المساجد واخذته بالحضن وحمدت الله انى رائيته وقام بتوصيلى بسيارته واخذت من رقم هاتفه وتمر فترة والقاه فى مسجد اخر دون ميعاد وكلما رائيته تذكرت ايام المحنة والصبر واخوة المعتقل 


إقرأ أيضا : أشغال الرسم والخرز والأركت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق