طرق التامين لوسائل المعيشة والمرور من التفتيشات





طرق التامين لوسائل المعيشة والمرور من التفتيشات

كانت التفتيشات المستمرة والدورية والمرتبطة بتحركاتنا فى كل وقت سعيا لسلبنا كل ادواتنا المعيشية ووسائلنا فى التواصل مع اسرنا والنقود التى نتعامل بها فى السجن اذ كان المساجين الجنائيين يتعاملون بالسجائر اما المعتقلين الاسلاميين فلا سبيل لهم سوى التعامل بالاوراق النقدية او الطعام والشاى والسكر والذى لا يصلح فى كل الاوقات فكنا لذلك نلجاء الى عدة وسائل لاخفاء وتورية حاجاتنا ومستلزماتنا فيما يعرف بمصطلح التامين تلك العملية التى كانت ترافقنا فى حياتنا فى المعتقل بشكل دائم ومستمر وكنا نتفنن فى ابتكار الوسائل التامينية والتى كانت عادة ما يتم كشف بعضها بمرور الوقت مما يدفعنا الى ابتكار المزيد من تلك الوسائل وساذكر فى السطور القادمة بعضها على سبيل المثال لا الحصر

تامين الكمبيوتر

كنا نقوم بتامين الكمبيوتر وسيلة التسخين والطهى لدينا  بان نقوم بفك القطعة  المعدنية او السوستة عن السلك الكهربى ونخبئها فى حفرة فى الحائط او نلفها بكيس من البلاستيك ونضعها فى عين الحمام ثم نقوم بلف السلك الكهربى على سلك مصباح الزنزانة فى السقف حتى لا يتم تمييزة عن سلوك كهربة الزنزانة او نقوم بتامين الكمبيوتر بالكامل فى عين الحمام او دسه فى حفرة الحائط اذكر ذات مرة فى الحبس الانفرادى فى عنبر ب باستقبال طره سمعنا بقدوم التفتيش فقمت بثنى سلك الكمبيوتر وتصغيره قدر الامكان وادخلت يدى فى ثقب الحائط وقد كان ذا طبقة مزدوجة بينهما فراغ ادخلت فيه ذراعى ومددتها الى اقصى ما استطيع ووضعت السلك واذ بيدى تصطدم بشىء فى داخل الحائط فتحسسته فكانما هو لفافة لشى ما قمت باخراجه واذا بها مجموعة من انابيب اقلام الحبر الجاف الزرقاء وكانوا خمس انابيب وقد جف الحبر فى اثنين منهما اذ كان من الواضح مرور وقت طويل على دسهما فى الحائط وكانت هذه الانابيب بمثابة كنز لنا حينها حيث كنا فى امس الحاجة لقلم نكتب به رسائلنا الى اسرنا وقد كان وقتها لا يوجد معنا سوى جزء صغير من قلم رصاص ومن رحمة الله ان من سبقنا فى الزنزانة قام بتامين الاقلام فى نفس المكان الذى سعيت لتامين الكمبيوتر فيه وحين كنا ننزل الى حجز لاظوغلى وكان يتم تفتيشنا بواسطة امن الدولة على باب الحجز كنت اقوم بوضع الكمبيوتر فى علبة دواء فارغة وقد كان غالبا لا يقومون بتفتيش شنطة الدواء لانه لم يكن يسمح بدخولها معنا وانما كانت توضع فى دولاب خارج الحجز وحين يحين وقت تناول الدواء احيانا يسمحون لنا باخذ الاقراص فكنت اقوم بتامين الكمبيوتر فى الدواء ثم يكون من السهل بعد ذلك مغافلة الحارس وادخال الكمبيوتر الى داخل الحجز فيكون بمثابة عيدا لنا لانا سنستطيع حينها شرب الشاى او المشروبت العشبية او غيرها من المشروبات الساخنة
وايضا كنا نقوم فى المعتقل بتامين علبة السمن الصفيحية الفارغة التى كنا نطهو فيها طعامنا او الحلة الالومنيوم الصغيرة وذلك بوضعها فى حلة بلاستيكية وملئها بالارز او الدقيق لدفنها بداخله املا فى ان تقع الغشاوة على عين قوة التفتيش وكذلك كنا نقوم بتأمين الراديو ان وجد فى الزنزانة فى الحائط او تحت البلاط  وكذلك (النصلة) اداة تقطيع الخضروات المصنوعة من صفيح علبة التونة

تامين الرسائل فى الاطعمة والاجساد والملابس

اما تامين الرسائل التى كنا نرسلها لاسرنا فى جلسات النيابة والمحكمة فقد كنا نقوم بثنيها وبرمها حتى تصبح فى حجم بكرة الخيط ثم نقوم بتغليفها بقطعة من النايلون ثم نقوم بوضعها اسفل الظهر بين الردفين وكان هذا الطرد من الرسائل قد يصل فى بعض الاحيان الى خمس ورقات كبيرة حيث كان الواحد منا يقوم بتامين الرسائل الخاصة به وبعض الرسائل الاخرى من زملاء زنزانته الذين لن ينزلوا لجلسه فى هذا اليوم وبنفس الطرقة كنا نقوم بتامين الاوراق النقدية واثناء عودتنا من الجلسة نعود بالرسائل القادمة من الاسر الى ابنائهم المعتقلين حيث يجلس الاخ المعتقل وهو فى شوق شديد لتصلة الرسالة من زوجته او اولاده او والديه او شقيقا له لاسيما فى السنوات التى كانت تمنع فيها الزيارات البطانية كان حراس السجن يطلبون منا الجلوس بوضع القرفصاء على الارض ثم النهوض وهكذا عدة مرات حتى يسقط اى شىء من التامين لذلك كنا حريصين على تثبيته بصورة جيدة او التعامل بدفع بعض النقود للحرس حتى يتساهل فى اجراءات التفتيش ومن طرائف الامور انى قمت بتامين مبلغا من المال وخرجت به من السجن فى طريقى الى امن الدولة فى لاظوغلى وبالفعل استطعت المرور بهذا المبلغ من تفتيش السجن ومن تفتيش مقر امن الدولة وبعد ان دخلت الى الحجز وسلمت على الاخوة المحتجزين اذ بصلاة العصر يحين وقتها فدخلت الى الحمام وقضيت حاجتى ثم توضات وصليت العصر وبعد الصلاة تذكرت انى لم اخرج التامين قبل دخول الحمام وذهب المال الذى كنت مؤمنه وجلست ساعتها اضحك على الموقف  اذ مررت به من التفتيش حتى يذهب الى حال سبيله وكنا نرسل فى الرسائل الى اهالينا ان يقوموا بدس الجوابات فى طعام الزيارة بعدة طرق حت تمر من التفتيش فكانوا يقومون بشراء عبوات اللبن الكرتونية وينزعون الورق المفضض ويسقطون الرسائل داخل اللبن بعد تغليف الرسالة بالورق جيدا وكثيرا ما جاءتنى الرسائل من زوجتى فى الطبيخ او بداخل اصابع الكفته او اصابع المحشى او فى داخل اجزاء الدجاج او فى الارزوكان البعض يقوم بحفر الصابون ووضع الرسالة ثم اعادة قطعة الصابون كما كانت مغلقة وذات مرة قمت بتامين انابيب الاقلام الجاف بغرزها فى داخل الخيار ولكن المخبرون قاموا وقتها بكسر الخيار واخراج الاقلام ودخلت بسبب ذلك التاديب لثلاثة ايام ومن المعتاد ان يتم تفتيش الملابس التى فى الزيارة ولكن قدر الله ذات مرة ان تانينى اول رسالة من زوجتى فى السجن داخل جيب السروال التى ارسلته لى مع طعام الزيارة وفى هذا الوقت كانت المصاحف غير ممنوعة ولكنا بالاجماع كنا نتجنب التامين بداخلها او وضع رسائل فيها للمحافظة على قدسية المصحف وخوفا من مصادرته فى التفتيش وحتى لايكون ذريعة لادارة السجن وامن الدولة فيعودوا لمنع المصاحف مرة اخرى

تامين المصاحف

اما فى فترات التضييق الشديدة خصوصا فى سجن الوادى وابو زعبل فكانت المصاحف ممنوعة وكان الاخوة يلجئون فى بعض الاحيان الى بلع صفحات من المصحف بعد ثنيها وبرمها وتغليفها بالبلاستيك ويستغفرون الله لحاجتهم الشديدة للمصحف واضطرارهم لبلعه حتى يمروا من التفتيش ثم يعودو يسترجعونه مرة اخرى وكذلك لجا البعض فى بعض الاحيان الى تغليف المصحف جيدا بالبلاستيك ووضعة اعزه الله وشرفه فى عين الحمام وقلوبهم تنفطر من فعل ذلك حتى اذا ذهب التفتيش اخرجوه مره اخرى وقلوبهم تكاد تنخلع من هذه الوسيلة فى التامين وايضا كانوا فى بعض الاحيان يقومون برط المصحف بحبل والقاءة خارج نافذة الزنزانة بعد ربط الطرف الاخر بقضبان نافذة الزنزانة حتى يمر التفتيش ثم يعودون لسحب الحبل واستعادة المصحف وكذلك كان الاخوة يبلعون المتون العلمية فى التجويد والنحو والفقه والحديث والاصول حتى يتسنى لهم مدارسة العلم فى سنوات الاعتقال التى يحرمون فيها من المصحف والكتب الشرعية واذكر ذات مرة انى احتجت الى ادخال بعض الكتب والكتيبات الشرعية من مكتبتى التى فى البيت فطلبت من زوجتى ان تنزع غلاف كل كتاب وتقوم بوضع غلاف من اغلفة كتب الازهر المدرسية حيث كان وقتها يسمح بالكتب الدراسية فقط وكنا نتحايل ونرشو المخبرين كى نستطيع ادخال المصحف المفسر اذ كانوا لا يسمحون وقتها سوى بالمصحف دون تفسير وكان الاخوة يقومون بتجليد الكتب ببعض الامكانيات القليلة التى كانت متوفرة والادوات البسيطة التى كانوا يهربونها معهم وهم قادمون من الجلسات فقمت بتجليد بعض الكتيبات الصغيرة مع كتيب الاذكار حتى استطيع الاحتفاظ بتلك الكتيبات فى حال التفتيشات
وفى الفترة التى سمحوا فيها بدخول الاقلام لطلبة الكليات كنا نقوم بتامين الاوراق النقدية والرسائل داخل الاقلام الفرنساوى وفى احدى المرات وانا انتقل من الافراج الى معتقل وادى النطرون قمت بتفريغ انبوبة المرهم ووضعت داخلها الاوراق النقدية التى كانت معى ثم قمت بثنى طرفها السفلى عدة مرات حتى تبدو كما لو كانت اوشكت على النفاد وكنا نقوم فى بعض الاحيان بنزع بلاط الزنزانة والخفر اسفله وتامين ما معنا من كتب او اموال او سخانات او رسائل ثم نقوم ببشر صابون الغسيل وعجنه بالماء والتراب ونعيد لصق البلاطة مرة اخرى حتى يمر التفتيش واذكر ذات مرة فى زنزانة 21 عنبر ب بسجن الاستقبال اكتشفنا عدة بلاطات مجهزة كتامين فى انحاء ارضية الزنزانة حتى اننا حينما نزعناها وجدنا اسفلها كتب وكشاكيل واقلام  وكماشة وبعض الادوات الاخرى التى انتفعنا بها ومررناها الى زملاءنا فى الزنازين المجاورة لنا
وكذلك كنا نقوم بتامين المصنوعات الفنية التى كان الاخوة يصنعونها من الخرز الملون والتى كانوا يخرجونها كهدايا لاسرهم فى الزيارات وكذكلك المناديل القماشية المرسومة بالوان الخشب او الحبر والمنقوشة بالايات والاحاديث والحكم والرسومات التعبيرية فكنا نقوم بحياكتها مع الفانلة الداخلية ثم نقوم بنزعها فى حمام المحكمة واهداءها لزوجاتنا اذكر حين ولادة ولدى الاول عبدالله طلبت من اجد الاخوة الرسامين رسم ببرونة طفل صغير على قطعة من قماش ملابسى ثم كتبت اسم ولدى عليها وقمت بقطعها على حدود الرسم بشفرة حلاقة حتى صارت على شكل ببرونة  واخرجتها كهدية لزوجتى وبعد ان بلغ ولدى عبدالله عامين اردت ان اقدم له هدية فى الزيارة ولم يكن معى ما يصلح كهدية وكان معى فى الزنزانة اخ ماهرا للغاية فى التطريز اليدوى والحياكة فقمت بقص قطعة من ملائة قماشية كنت اتغطى بها وكانت ذات نقوش تطريزية واعطيتها له فقام بصنع طاقية اسلامية جميلة مظرزة بالخيوط الملونة التى كنت اقوم بتنسيلها من الفوطة الملونة الخاصة بالتنشيف وهكذا تعددت انواع التامين واشكاله وطرقه بحسب احتياجاتنا وبحسب اوضاع المعتقلات واخبرنى زملائى فى المعتقل والذين خرجوا بعدى بسنة او سنتين عن تسرب التليفون المحمول اليهم حيث اصبح تقريبا فى كل زنزانة تليفون محمول مخباء فى الحائط او تحت البلاط والبعض تمكن من ادخال الاى باد ودخل على الانترنت فضحكت حينها وقلت سبحان الله فقد كان الهاتف الذى نحدث فيه اسرنا ايام كنا فى المعتقل هو الهاتف الذى كنا ندير اقراصه فى المنام ونستيقظ دون ان يرد احد من ذوينا على الطرف الاخر وحيث كان الحصول على راديو فى حجم كف اليد يعد معجزة فى حد ذاته وعيدا فى الزنزانة

مدونة منيب

وأختلفت طريقة الأخفاء من سجن لأخر بل من زنزانه لأخرى وكانت السجون القديمة المبنية بالطوب العادى وأرضيتها من البلاط العادى كانت سهلة حيث يجرى خلع بلاطة والحفر تحت البلاطة المجاورة لها ودس المذياع الملفوف جيدا في عدة أكياس بلاستيك لحمايته من أى رطوبه وكذا كان من السهل عمل مكان سرى في الحائط الذى يسهل حفره لكن مع تطور خبرات الجهاز الامنى ومعرفته بأساليب المعتقلين جرى بناء جميع السجون الجديدة من الخرسانه المسلحة سواء الحوائط أو الارضية أو السقف كما جرى دهانها بدهان براق يتيح لأى مفتش الاطلاع على أى خدش يطرأ عليه ليفحصه ويدرك ما إذا كان تحته مخبأ أم لا .
التامينات
ولكن المعتقلين لم يستكينوا لهذا التحدي الجديد فقاموا بإبتداع طرق عديده للأخفاء في هذه الخرسانه فقاموا بتحديد الاماكن الضعيفة منها وكذا الاماكن التى يعقبها تجويف ما ثم حفروا هذه الخرسانة بأدوات بدائية وبطرق مختلفه وعملوا بها تجاويف للمذياع أو الاقلام والاوراق أو حتى الكتب وأختلف ذلك من سجن لسجن ومن وقت لوقت وكان دائما من المهم لنجاح العملية أن يتم لصق قشرة مماثلة لطلاء الغرفة تماما فوق فوهة التجويف الذي تحتم دائما سد حلقها بطريقة تجعلها صماء بحيث حتى لو نقرها لمفتش بيده أو بأى أله تعطى صوتا مصمتا عاديا لا يشير لوجود أى تجويف في هذا المكان .
وأختلفت فلسفات المعتقلين في أختيار المكان الذى يجرى عمل المخبأ به فالبعض أختار مكانا بعيدا عن العيون مثل أعلى قمة السور الفاصل بين دورة المياه والزنزانه في سجن الوادى الجديد مثل عتبه الشباك الداخلية في سجون الفيوم علما أن الشباك ملتصق بسقف الغرفة بينما أختار البعض مكانا ظاهرا تحت العيون أعتمادا على أن المفتش عادة مايبحث فى الاماكن البعيدة والخفية ولم يخطر ببالة أن أحدا سيخفى شيئا تحت عينه مباشرة فكان هذا الفريق يعمل المخبأ في وسط الغرفة أو أى مكان ظاهر فيها .
وكان المخبأ يطلقون عليه تأمين ولكن لا يجرى التلفظ بهذه الكلمة بصوت مرتفع أبدا بل كان له أسم حركى يجرى التلفظ به بشكل عادى وهذا الاسم هو ابو أمين فلو طلب شخص المذياع أو القلم أو الورق فأن الرد لو كان في المخبأ أن يقال أنه عند أبى امين فيفهم جميع المعتقلين أنه في التأمين وأن موعد خروجه من التأمين لم يحن بعد.
وبعد ما أصبح التليفون المحمول متاحا في مصر بدأ عدد من المعتقلين يهربونه للسجن ويستخدمونه خفيه وكثرت حالات ضبط تليفونات محمولة في السجون في الفترة الاخيرة ولا يتعرض حاملة لعقوبات قانونية لعدم وجود قانون يحرم ذلك لكنه يتعرض لعقوبات إدارية في أغلب الحالات مثل أن يتم تغريب المعتقل أى نقله إلى سجن بعيد جدا وعادة ما يكون سجن الوادى الجديد حتى صار في سجن الوادى الجديد عنبر أسمه عنبر المحمول لكن المشكلة جاءت من أنه جرى ضبط أجهزة تليفون محمول في سجن الوادى الجديد نفسه

إقرأ أيضا : طرق التواصل مع الأهل وكتابة الرسائل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق