التكيّف مع الإزدحام
كما ذكرت من قبل ان التسكين فى الزنازين كان باضعاف العدد التى تحتمله الزنزانة والزنزانة لا تكون فقط مكانا لنومنا انما هى مساحة الحياة التى نحيا فيها ونمارس فيها كل انشطتنا الحياتية فالزنزانة كانت محلا لكل شىء فى حياتنا فقد كانت مسجدنا الذى نصلى فيه ومطبخنا الذى نطهو فيه طعامنا وسفرتنا التى نتناول عليها وجباتنا وفراشنا للنوم عليها وساحة لممارسة الرياضات والالعاب المختلفة ومكتبا نذاكر فيه ومكتبة نضع فيها كتبنا وحماما نقضى فيه حاجتنا ونستحم فيه ومغسلة لملابسنا ومنشرا لتلك الملابس وفى الزنزانة حقائب ملابسنا ومخزن طعامنا ومخزن دوائنا كل تلك الانشطة الحياتية كان لزاما علينا ان نقوم بها فى مساحة 20 متر مربع ونحن نزيد عن العشرين معتقل وفى حجز لاظوغلى يكون عددنا 140 اخ فى مساحة 60 متر لا اكثر كنا ننام فى الزنزانة متخالفين الراس كل اخ عند قدم الاخر وكنا نقسم المساحة ونحددها عن طريق طى البطانية اربع او خمس ثنيات بحيث ينام كل اخ فى مساحة ربع او خمس البطانية واحيانا كنا نثنى البطانية بعرض كف اليد الواحدة (الشبر) وكنا نقوم احيانا بتنظيف المساحة التى امام دورة المياة والتى كنا نستخدمها كمطبخ لطعامنا بحيث تكون ليلا مكانا لنومنا اما فى حجز لاظوغلى فكنا ننام بنظام النوباتجية على مرحلتين او ثلاثة بحسب العدد فى الزنزانة فيقوم احد الاخوة المعتقلين بادارة عملية النوم فيقسم الناس الى ثلاث اقسام كل قسم ينام ثلث الليل ثم يستيقظ لينام القسم الثانى ونقوم باخلاء جزء صغير من الحجز امام دورة المياه ليظل المستيقيظين فيه واقفيين وقسم اخر قاعدين بالكاد حتى ياتى موعد النوم وقد كنت كثيرا حين نزولى من المعتقل الى لاظوغلى قبل رجوعى مرة اخرى ما اقوم انا والاخ عمرو ابو الفتوح والذى ساحدثكم عنه فى فصل لاحق على تنظيم وادارة عملية النوم ورغما عنا كنا نعامل الاخوة معاملة الجمادات ونحن نقوم برصّهم للنوم على الارض فكنت ادسّ الاخ منهم بين اثنين من اخوانه بحيث يكون راس كل منهم عند قدم الاخر وكل واحد ينام على جنبه اما ان ينقلب احدهم لينام على ظهره فهذه رفاهيه لم تكن متاحه وقتها حينما يكون نصيب الفرد شبرا بطول الجسم
واتذكر اياما كان ينال منى التعب ويحين دور نومى فلا اجد الا جوار الحائط لاحشر نفسى بين اخى وبين الحائط فيكون نصيبى ولله الحمد نصف بلاطه بالاضافه الى وزر الحائط ووالله كنا ننام نوما عميقا هادئا لاتسالنى كيف يعقل هذا انها رحمة الله وسكينته التى ساخبرك عن الاف المواقف التى تنزّلت فيها علينا لاتعجب انها قدرة الله
وحين اتيح لنا بعض المرونة فى نظام السجن كنا نلجا لعمل صندرة خشبية فى الزنازين ينام عليها البعض حتى تستوعب العدد الموجود فى الزنزانة
كنا نستيقظ صباحا كل يوم فنقوم بثنى البطاطين ورصها حتى تكون كالاريكة نجلس عليها او نستقبل عليه ضيوفنا من الزنازين الاخرى فى الوقت الذى كان يسمح لنا فيه بالتريض وتفتح الزنازين لبعض الوقت وكنا نقوم باخذ افضل بطانية ملونة عندنا ونقوم بفرشها كالبساط فى وسط الزنزانة حتى تعطى منظرا جميلا للمكان ونحاول ان نكسر الصورة الروتينية لمحيط الزنزانة من ان لاخر حتى نشعر انفسنا كاننا انتقلنا لمكان اخر
وكنا نستخدم حقائب الشباك والقماش فى رفع اوانى المطبخ وخزين الطعام عن الارض حتى نوفر اكبر مساحة ممكنة فى الزنزانة وكنا نقوم بحياكة الشكائر البلاستيكية واقمشة الملابس لنصنع منها دولابا جداريا وكان الاخوة يتفنون فى مثل هذه الاشياء فيصنعون الدولاب باشكال مختلفة بديعة ويصنعون فيه جيوبا صغيرة للمصاحف والكتيبان ومكانا للاقلام وكان بعض الاخوة الماهرين فى الحياكة يتبرعون بعمل هذه الاختراعات لاخوانهم وكذلك كنا نستخدم البطاطين لصنع خباء مؤقت لتغيير الملابس نظرا لانشغال دورة المياه .