القصة الخامسة





الأخ عيد وزوجته

كتبت هذه القصة فى رسالة الى زوجتى من داخل الزنزانة

(زوجتي الحبيبة ... ومما يهون علينا ما نحن فيه من البلاء النظر لمن هم أشد بلاء منا من حولنا ... فعندي هنا ما قد يشيب لهوله الشباب وتنفطر له القلوب من وقائع عشاها إخواني الذين معي وأسرهم وسأذكر لكي إحدى هذه القصص ... قصة الأخ/ عيد  وزوجته وولديهما إسلام وهاجر ..
التزما بدين الله عز وجل مع ماضي من الضلال والتيه فأصبح الأخ بعد ما كان عليه من الجهل والهوى من أهل العقيدة التي رسخت في قلوبهم ورضي الله رباً وحسيباً والتزم بدين الله في وقت يحارب فيه الدين وأهله من كل اتجاه والأخت زوجته كانت من اللائي يرتدين البودي والميكروجيب على هذا تربت في بيت أهلها وكذلك أخواتها البنات فهدى الله قلب هذه الأخت وانصاعت لله واستسلمت فأبدلت سفورها بحجاب الله الذي فرضه تعالى عليها فانتقبت ولبست السواد الكامل وكانت تسكن مع زوجها وأولادها في بيت أبو زوجها المسافر ويسكن معهم أخوه الأصغر عشرين سنة ولكن الشقة مفصولة لنصفين بالستائر ووجود زوجها يحول تماماً دون الاختلاط وذلك الوضع لضيق ذات اليد وينعم الزوجين بالحب الشديد والعاطفة الجياشة إلى أن هبت رياح الظلم والظالمين ذات ليلة فأخذ الأخ من فراشه ولفقت له قضية من الألف إلى الياء هو ومجموعة من الشباب الأطهار لكونهم يعملون في حقل الدعوة لخير الأديان دين الإسلام ..
وأمضوا سنة على ذمة القضية ويحال بين الأخ وبين زيارة زوجته وأولاده له ولو من بعيد طوال سنة إلا شهرين تقريباً فخلال هذه الفترة في البداية تصمد الأخت لأنها تحب زوجها حباً شديداً كما يحبها هو كذلك ولكن لا يوجد مكان تؤي الأخت المحتجبة إليه ولا يوجد ما تنفق منه على أولادها فضطر أن تبقى في الشقة المشتركة المفصولة بالستائر بينها وبين أخو زوجها الشاب خصوصاً وأن أهلها طردوها من بيتهم ورفضوا إقامتها بأولادها حتى تتطلق من زوجها المعتقل الذي تحبه ولا تحب غيره أبو أولادها إسلام وهاجر وتضطر الأخت مع هذا السكن المشترك إلى العمل في مكتب أخ محامي للإنفاق على أولادها وتعمل حتى العاشرة مساءاً فتعود لتجد أولادها نائمين لا تستطيع أن تجلس معهم وتعود منهكة مكدودة ثم بعد ذلك لا تستطيع أن تنام أبداً في الليل لوجود أخو زوجها في الشقة وخصوصاً أنها كانت تأتيها نوبات صرع كل فترة طويلة فتخشى أن تأتيها بالليل تلك الليل فتتكشف أو ما شابه ذلك فتجلس وتغلق عليها وعلى أولادها الحجرة بالمفتاح لا تستطيع حتى أن تذهب إلى الحمام بالليل أو حتى المطبخ لإعداد الطعام حتى يطلع النهار فتخرج بالنقاب وعلى هذا الحال ظل الوضع طوال عشرة شهور كاملة والأخت محافظة على نفسها ودينها وأولادها ولكن على حساب صحتها وراحتها على أمل أن يخرج زوجها الحبيب قريباً ويبرأ من التهمة الزور الملفقة له وهي تشكي له ما يواجهها من محن وشدائد في جوابات ترسلها له مع أخ زميل لزوجها في محبسه وهذا الأخ الوسيط يتابع حالتها وهمومها وينقلها لزوجها ويأخذ الحلول من زوجها يوصلها إليها مرة كل شهر وجاءت أخت زوجها لكي تزيد المحن على الأخت فتضربها وتشتمها وتطردها من الشقة في منتصف الليل بقميص النوم فتنهار الأخت أشد انهيار أن تكشف عورتها هكذا ولكنها تحتمل كل هذا في سبيل الحفاظ على دينها وزوجها وأولادها.
حتى جاء أشد أجزاء الابتلاء فيحكم الظالمون على الأخ الطيب البرئ بالسجن لمدة سبع سنوات ومع هذا الوضع الذي تأزم فلا يوجد مأوى للأخت وأولادها والزوج الحبيس مكتوف الأيدي يفكر الأخ ويدبر أمره مع الحكماء من زملاءه فيرى أن الحل الوحيد هو أصعب حل على نفس الزوج الحبيب وهو أن يطلقها ليتزوجها أخ طيب آخر يعرفه زوجها ليكفلها وأولادها ويحفظ عليها دينها من الضياع ويعرض الزوج ذلك عليها عن طريق الأخ الوسيط فترفض بشدة وتطلب أن لا تسمع هذا الكلام مرة أخرى أبداً وتمر الأيام والأسابيع والأخت المجاهدة لا تجد حلاً ولا سبيلاً حتى حدث موقف الطرد في منتصف الليل هذا فتقبل اقتراح زوجها على كره منها واضطرار وانهيار تكاد تموت حزناً على ما وصلت إليه الأمور.
وفعلاً يأتي اليوم المشهود فتأتي الزوجة الحبيبة إلى المكان الذي به زوجها وأبو أولادها إسلام وهاجر ... سجن استقبال طرة ... وفي مكتب مأمور السجن ولأول مرة منذ ما يقرب من سنة كاملة يؤتى بالأخ ليلتقي الحبيبان ولكن يا للحسرة إنه اللقاء الأول منذ سنة من الفراق وهو اللقاء الأخير لأنه لقاء الفراق لقاء الطلاق.
لم تكن الزوجة قد رأت زوجها منذ سنة كاملة ولم يكن بينهما إلا الرسائل المكتوبة وما تكاد الأخت تراه حتى انهارت بشدة وجرت عليه تحتضنه وتقبله أمام الناس ولا تستطيع أن تتمالك نفسها، قلبها يكاد ينفطر وينخلع فهي الآن ستفترق عن محبوبها الوحيد وأبو أولادها ويا ليت كان هناك سبيلاً آخر ومأوى تأوي إليه لكانت حينها انتظرته ولو لآخر العمر وفي جو شديد من الانهيار من الأخت والصبر على المكاره من الأخ وهو لا يقل عنها حباً بل كان يحبها جداً ولأول مرة منذ سنة يرى أولاده فيحتضنهم وهو يعلم أنه من الآن سيكبرون في كنف رجل آخر.
نعم هو أخ طيب من أهل العقيدة ولكن هؤلاء أولاده من محبوبته الوحيدة يا الله ... يا الله ... ما أجمل هذا الصبر والله لو كنت مكانك لأظن أني سأتحمل هذا أبداً ... سبحان الله ما أجمل هذا الإيمان في قلب الأخ والأخت ... هذا الإيمان الذي كان سبب في أن يبتليهما الله ببلاء شديد هكذا، هذا البلاء الذي بسببه أصيب الأخ الذي كان واسطة بينهم بمرض ضغط الدم المرتفع على الرغم من كونه شاب لا يتعدى الثلاثون عاماً وهو على فكرة رفيقي الآن في الغرفة وهو من حفظة كتاب الله لم يتحمل الأخ الواسطة معايشة تلك الأحداث ... أسبوع بأسبوع وشهر بشهر وهذه النهاية فأصيب بالمرض.
فكيف بأهل البلاء أنفسهم فسبحان الله يبتلي المرء على قدر دينه فإن كان بدينه صلابة زيد له في البلاء ... ويتم الطلاق في جو مأساوي رهيب، يخشع ويحزن له حتى ضباط السجن والمأمور وتخرج الأخت في شبه غيبوبة منهارة ويعود الأخ لغرفته وكل منهما يحتسب الأجر عند الله والله لا يضيع أجر المحسنين فهم لم يفعلا ذلك إلا حفاظاً على دين الأخت والأولاد ولم يكن لهم سبيلاً آخر وتزوجت الأخت من الأخ الطيب ومع ذلك ظلت ترسل لأبو أولادها الحوالات الشهرية والزيارات والملابس بعد زواجها فهو أبو أولادها وهو الذي كان معه الالتزام بدين الله برغم أنه أصبح الآن رجلاً أجنبياً عنها فسبحان الله لعل الله يعوض هذه الأخت خيراً على ما لاقته في هذا الزوج الطيب الجديد يكون أباً لأولاد آخرين منه ويعوض الأخ السجين خيراً بعد خروجه بزوجة أخرى صالحة لا تقل عنها وينعم الجميع في النهاية بالجنة ورضوان من الله أكبر إخواناً على سرر متقابلين

إقرأ أيضا : القصة السادسة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق