التعذيب بالتغريب والنفى






 التعذيب بالتغريب والنفى

ومن ابرز طرق التعذيب فى سياسة المعتقلات وامن الدولة التغريب والنقل للمعتقلين من المعتقلات القريبة لمحافظاتهم الى معتقلات بعيدة حتى تصل لعمق الصحراء كما كان الحال فى معتقل الوادى الجديد
كانت سياسة التغريب والنفى من السياسات الاساسية للضغط النفسى والمادى على المعتقلين وذويهم فيكون الاخ المعتقل من محافظات الوجه البحرى وبدلا من ان يتم اعتقاله فى وادى النطرون او دمنهور او الاستقبال او ابو زعبل يتم ترحيله الى معتقل الوادى الجديد وسط الصحراء والاخ المعتقل من جنوب الصعيد ممن يكون الوادى الجديد الاقرب له يتم وضعه فى معتقلات الوجه البحرى السابق ذكرها وكانت اسر المعتقلين تقطع رحلة شاقة تصل ليومين من السفر حتى يستطيعوا الوصول لابنائهم ليروهم لبضع دقائق او لا يرونهم وفقط يستطيعون ادخال الاطعمة اليهم فكان بعد المسافة يجعل اسر المعتقلين بدلا من الزيارة الشهرية او النصف شهرية يذهبون للمعتقل كل عدة شهور قد تصل ببعض الاسر الفقيرة الى 6 اشهر كاملة حتى يستطيعون توفير مبلغ الزيارة والانتقالات وعلى الرغم من ذلك كانت العديد من الاسر تتحامل على نفسها وكانت العديد من الزوجات يشتركون فيما بينهم لاستئجار اتوبيسا للذهاب للزيارة كانها رحلة جماعية وحكى لى احد الاخوة انه ظل طوال 6 سنوات فى معتقل الوادى الجديد تاتيه زوجته الشابة التى ما كان بينهما سوى عقد الزواج الورقى كانت تاتيه بصفة دورية كل اسبوع فكانما نذرن هؤلاء الزوجات حياتهن فى الانتقال المستمر والسفر الدائم لزيارة ازواجهن المعتقلين حتى ولو لم يكن لهنّ من تلك الزيارة الا الوقوف على الباب الخارجى للمعتقل والشعور بالقرب من الحبيب الاسير رغم الحواجز والاسوار وادخال الطعام والملابس والدواء اليه
ومن اسباب التغريب ونقل المعتقلين من معتقل الى اخر تنويع وسائل التعذيب حيث كان لكل معتقل المذاق الخاص به من انواع التعذيب فواحد تكون وسيلة التعذيب الابرز فيه التجويع واخر البعد عن الموطن واخر التعذيب بالضرب واخر بالظلام واخر بالوحدة وهكذا ولقد تم تغريبى عدة مرات فتم نقلى من استقبال طره الى معتقل دمنهور ومن دمنهمور الى وادى النطرون ومن النطرون الى استقبال طره مره اخرى مما تاح لى الفرصة للاحتكاك بالاف المعتقلين من سائر المعتقلات ومشاهدة احوالهم وسماع قصصهم وذكرياتهم والتى كانت تشد انتباهى وتسلب ذهنى ومشاعرى كانى احياها معهم واعيشها مرة اخرى
ومن اسباب تلك السياسة التغريبية فصل علاقات الاخوة والصداقة والجوارالتى تنشا بين المعتقلين وتشتيت مشاعرهم من تاخى لفراق ثم لفراق اخر وهكذا يغيرون من البيئة المعيشية للمعتقل حتى لا يشعر برفاهية الاستقرار ومن ضمن ملامح التغريب الاساسية تشريفة التعذيب التى تكون فى استقبال المعتقلين حال قدومهم للسجن فى التغريبة فينهال عليهم الجلادون بالضرب المبرح المسيل للدماء حتى ان احد زملائى حكى لى عن التغريبة الثانية فى معتقل الوادى الجديد والتى تم استقبالها بوسائل تعذيب وحشية حتى ان زميلى الاخ ياسر عبد الباسط ذكر لى انهم كانوا فى عدة سيارات ترحيلة وكان زميلى فى السيارة الثالثة وكانوا يدخلون المعتقلين كل سيارة منفصلة عن التى تليها فاخبرنى انهم كانوا يسمعون صرخات الاخوة من التعذيب وحينما حان دورهم ونزلوا من سيارة الترحيلة ودخلوا من بوابة السجن وجدوا الجدار المواجه لهم ملطخا بالدماء السائلة من اجساد الاخوة الذين سبقوهم وكان ذلك من الاسباب التى دفعت اخوة التغريبة للاشتباك مع قوة السجن ومطارده الضباط والعساكر فى طرقات السجن حتى تمكن المعتقلون من السيطرة على السجن الا ان ادارة السجن تفاوضت مع المعتقلين وخدعتهم ووعدتهم بعدم التعرض بالضرب او التعذيب فى حالة استسلامهم ودخولهم الزنازين طواعية وما ان فعل الاخوة ذلك حتى تحولت النعاج الى ذئاب واخذوا يخرجون كل زنزانة على حدة ويسومونها اشد انواع العذاب حتى كان الاخ لا يقوى على الوقوف على قدمية من شدة التعذيب فيقومون بجره على الارض والقاءة فى الزنزانة وهكذا فعلوا بالسجن كله كل زنزانه على حده حتى يتم تناقل الخبر فى بقية المعتقلات ولا يقوى احد مرة اخرى على الاشتباك مع الجلادين

         من شهادة حسن على فى كتابه محنة الاسلاميين
         
       (كانت الرحلة إلى الوادي طويلة وشاقة وكان الزحام شديد في السيارة وقد بلغ العدد إلى خمسة وأربعين فرد هذا بخلاف الأمتعة فكانوا لا يستطيعون الحركة حتى إن البعض كان لا يجد مكان يضع فيه قدميه أثناء الوقوف فكان يقف فترة على إحدى قديمه ثم يبدل بالأخرى، كانت تمر عليهم ساعات الليل والنهار ولا يبدو في الأفق نهاية لهذه الرحلة والتي كان لا يعرف البعض لها وجهة فأقصى ما يعرفونه أنه في مكان بعيد ولكن أين لا أحد يعرف، لم يكن المكان فقط هو المجهول لهم بل كان المصير الذي ينتظرهم هو أيضا مجهول.
لقد كان هناك شعور عند البعض يتردد في أعماق ذاته وإن كان لا يبوح به إن هذا السجن والذي بني في هذه الصحراء القاحلة ربما يكون مقبرة جماعية لهذه الألوف ويزداد يقينه عندما ينظر من السيارة فلا يرى على مرمى البصر إلا رمال صفراء تعكس وهج الشمس في النهار وينظر من الاتجاه الآخر فلا يرى إلا تلال ووديان فلا أثر لأي حياة لمسافة أكثر من مائتين كيلو متر تسير فيهم السيارة في الصحراء وقد لخص أحدهم الموقف عندما لاح السجن من بعيد وكأنه قرص دائري في وسط هذه الصحراء فنظر من الشباك ثم التفت إليهم وكأنه يودع الحياة ويلخص لهم ما هم مقدمون عليه وقال سلام عليك أيتها الدنيا) 

إقرأ أيضا : التعذيب بالإذلال والتسمّى بأسماء النساء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق