التعذيب بالمرض
كانت كل العوامل المحيطة بالمعتقل ابتداءً باستجوابات أمن الدولة وحتى المعتقلات تؤدي إلى إصابة المعتقل بالعديد من أنواع الأمراض التي تصل إلى حد الأمراض المزمنة والتي قد تؤدي إلى الوفاة داخل المعتقل كان الجوع والبرد أو الحر أو الازدحام أو سوء التغذية أو سوء مياه الشرب أو نقص الدواء أو التعذيب الجسدي أو العوامل النفسية السيئة كل تلك الأمور كانت تؤدي إلى الإصابة بالأمراض المختلفة للمعتقلين مثل (الدرن الرئوي – الدرن المعدي – الربو – الشلل – الفشل الكلوي – التهاب الكبد الوبائي – فقد البصر – التهابات المفاصل والفقرات – الجرب – القرحة المعدية – أمراض القلب – هشاشة العظام) عن نفسي الأمراض التي تعرضت لها والحمد لله على العافية وكانت مؤقتة هى الجرب وداء الدمامل وآلام الظهروالارتكاريا والتهابات المعدة والمرىء.
كان امراض المعتقلين سواءا بصورة مباشرة او غير مباشرة احدى وسائل التعذيب فى المعتقلات لانهاك الشباب المسلم وتدمير صحته وبنيته الجسمانية وكانت وسائل التعذيب الاخرى من الجوع وردائة مياة الشرب وسوء التغذية وضيق التنفس وعدم التعرض لضوء الشمس والازدحام والضرب والاهانة والصعق الكهربى والمناخ السىء كل هذة العوامل كانت تصب فى خانة التعذيب بامراض المعتقلين وجعل العلل والامراض تتمكن من اجسادهم واصابتهم بالامراض الفتاكة فعلى سبيل المثال كانت سياسة التجويع تؤدى لاصابة المعتقلين بالانيميا والهزال وضعف البنية وصولا الى درن المعدة حتى تحدث حالات الوفاة كما حدث مع ابن عمى وكانت ردائة مياة الشرب تؤدى الى امراض الكلى والكبد كما كان الحال فى معتقل دمنهور وابو زعبل وكان الضرب والتعذيب والنوم على الارض الرطبة يؤدى الى الام الظهر والمفاصل والشلل فى بعض الاحيان والصعق الكهربى فى التعذيب يؤدى لامراض القلب وضيق التنفس والجو الخانق للزنازين يؤدى الى امراض الصدر كما حدث مع مئات المعتقلين الذين اصيبوا بالدرن الرئوى والازدحام والحرّ الشديد وقلة المياه وعدم التعرض للشمس كانوا سببا لاصابة الالاف بالامراض الجلدية المختلفة وكان المرض ينتشر فى ظل غلق الزنازين السنوات المتواصلة دون فتح ابوابها الا المرات القليل شهريا فكانت العدوى شيئا اساسيا فى هذة البيئة المغلقة اذكر انى قد اصبت ذات مرة فى معتقل الاستقبال بالجرب والذى كنت دائما اسمع عنه ولم اكن ادرى كم هو مؤلم حتى عانيت من الامه وكيف يجعل الواحد لا يستطيع النوم من اعراضه واصبت ايضا فى معتقل دمنهور بالدمامل والخراريج التى وصلت فى صدرى الى اكثر من 20 خراج كان صديق لى معتقل طبيب يصفى لى منهم كل يوم 5 او 6 خراريج حتى تخور قواى ولا اقدر على التحمل وترتفع درجة حرارتى فيكتفى الطبيب ويكمل فى اليوم الذى يليه وظللت اعالج من هذا الداء بالمضادات الحيوية لعدة شهور
وقد شاهدت بنفسى العديد من المعتقلين من ذوى الامراض المزمنة وهم لا يجدون علاجا مناسبا لامراضهم ولا ادنى درجات العناية الطبية حتى وصل المرض ببعضهم الى الوفاة وبعضهم لا زال فى سن الشباب ومن الامراض التى كانت تصيب بعض المعتقلين نتيجة عوامل التعذيب المتلاحقة والمستديمة الامراض النفسية كمرض الاكتئاب والانطواء وصولا الى مرض الانفصام فى الشخصية والذى رأيت بعينى امثلة لكل تلك الحالات ففى احدى المرات اثناء رجوعى من لاظوغلى الى معتقل دمنهور تم ايداعى زنزانة الايراد حتى يتم اعادة تسكينى مرة اخرى فى اليوم التالى وقضيت الليلة تلك فى زنزانة الايراد وكانت مظلمة تماما الا بصيصا من الضوء ياتى من النافذة العلوية الصغيرة ودخلت الزنزانة قبل غروب الشمس بقليل واستقبلنى احد الاخوة المعتقلين من نزيلى الزنزانة وكان رجلا فى الاربعينات وقورا ومريضا بالقلب ولذلك تم ايداعه فى زنزانة الايراد التى كانت القواعد تملى ان لا يتم تسكينها اكثر من ثلاثة ايام الا للحالات الخاصة والتى كانت تتمثل فى الاخ المريض بالقلب واثنين اخرين حالة نفسية كان احدهما ممددا على فراشه واضعا احدى يديه خلف راسه وينظر الى الفراغ من امامه ساكنا لا يتحرك ولا يتكلم كانت بنيته قوية جدا طويل القامة عريض المنكبين كانه جسد مصارع ومع هذا كان فى هدوء الطفل الصغير ظللت فى الزنزانة ما يقرب من ال20 ساعة لم اسمعه يتكلم بكلمة سوى انه يقوم ليصلى الصلوات او ياكل ثم يعود لنفس الوضعية الاولى وعلى الجانب الاخر من الزنزانة شابا طويل الشعر كان شعره لم يقص منذ سنوات جالسا الى الارض ووجه الى الحائط واضعا على كتفيه البطانية الميرى الخشنة ويهز راسه ونصفه العلوى الى الخلف والامام بحركة دائبة مستمرة طوال ساعات طويلة لا ينقطع عن فعل وبعد فترة اذا به يلتفت لارى وجهه فاذا به على قدر فائق من الوسامة شابا فى اواخر العشرينات من عمره وعلمت انه كان طبيعيا عندما اعتقل ولكن مع التعذيب الجسدى والنفسى طوال سنوات عديدة اصيب بالاكتئاب والانطواء ومن الحالات الصعبة جدا التى قابلتها حالة من الانفصام فى الشخصية اصيب بها احد المعتقلين نتيجة اعدام اخيه لمشاركته قى اغتيال الكاتب العلمانى (فرج فودة) والذى كان يستهزىء صراحة بالنبى صلى الله عليه وسلم والصحابة وزوجات النبى رضوان الله عليهم واعتقل هذا الاخ 15 سنة ظل منها 10 سنوات فى زنزانة انفرادية يتم تعذيبه باستمرار وعزله عن اخبار الخارج وتسريب الاخبار الكاذبة السيئة عن اهله واسرته حتى اصيب بالانفصام الذى يجعله فى بعض الاحيان طبيعيا حتى انى لعبت معه فى احدى المرات شطرنج وكان يلعب باحتراف فوجدته على قدر كبير من الذكاء وكان مؤدبا طيب القلب الا انه حين كانت تاتيه حالة الانفصام كان يتحول لشخص اخر قد يؤذى من حوله حتى ولو كان من اقرب المقربين له وما علمته بعد ذلك انه بعد خروجه قد قتل امه وهى تصلى وجرح اخته فى ذراعها بالرغم من حبه الشديد لهما اخبرنى بهذا الخبر المفجع زوج اخته والذى كان معتقلا ايضا وقابلته بعد خروجه بفترة واخبرنى ان امن الدولة اعتقلته مرة اخرى فى العنبر الجنائى بوادى النطرون انفراديا بعد قتله لامه ورفضت احالته للجنايات وهددت العائلة ليدفنوا امه و بعدم الابلاغ للنيابة او الادلاء للصحافة باى معلومات خوفا من تحول القضية للطب الشرعى والقضاء ومعرفة الراى العام بانه ضحية تعذيب امن الدولة واخبرنى نسيبه انه عندما زاره فى السجن وجده فى حالة سيئة جدا وظل طوال الزيارة يسئله عن امه كيف حالها ولا يدرى انه قد قتلها بيديه وهو فى حالة انفصام غائبا عن الوعى وهكذا تسببت امن الدولة ونظام المخلوع مبارك فى اعدام اخيه وتدمير حياته وقتل امه .
من شهادة حسن على فى كتابه محنة الاسلاميين
بجانب كل ذلك كان لا يوجد أي رعاية صحية أو اهتمام بالمرضى بل كانت كل الظروف المحيطة تساعد في زيادة المرض فعندما أصيب أحد الإخوة في معظم جسمه بتقيحات وصديد نتيجة سوء التهوية وعدم الخروج في الشمس بجانب ضعف جهازه المناعي فلم يجد أي علاج وعندما ساءت حالته حتى تساقط جلده فدهن جسمه بأنبوبة مرهم فأصيب بحالة تسمم في كل جسمه نتيجة تسرب المرهم إلى لحمه لعدم وجود طبقة الجلد التي تساقطت نتيجة كثرة الصديد والتقيحات فمات، وأخ آخر أصيب بدوسنتاريا حادة وكان ينزف دما ومع ذلك لا يبالون بحالته حتى نحل جسمه ومات، وهناك الكثير من الحالات بهذه الصورة أو صور أخرى مختلفة.)
(وجدت الأمراض بأشكالها المختلفة تربة خصبة لها في هذا السجن نتيجة حالات الضعف الشديدة والهزال الذي أصاب الكثير بسبب هذه الظروف القاسية التي يعيشون فيها فانتشرت الأمراض سواء المزمنة منها أو غير المزمنة والفتاكة والخطيرة أو البسيطة فقد انتشر مرض الدرن بكثافة نتيجة سوء التغذية وسهولة انتقاله بسرعة بسبب اختلاط المرضى بغيرهم وعندما استعصى الأمر قاموا بتجميع أعداد كبيرة وصلت إلى ثلاثمائة في أحد العنابر وهذا بخلاف من رفض الخروج لعلمه المسبق بعدم اهتمامهم بالمرضى وعندما زاد الأمر أكثر فأكثر قاموا بتخصيص زنزانة في كل عنبر للمرضى ومع ذلك لم يكن هناك أي رعاية أو اهتمام بهم وكان وضعهم في الزنازين أفضل حالا لأنهم يجدوا من يرعاهم ويحاول أن يوفر لهم الطعام حتى ولو على حساب نفسه، فمن كانت إصابته بالمرض ضعيفة زادت نسبة المرض وتمكن منه نتيجة اختلاطه بغيره من المرضى وكثير منهم قد أصيب بانتكاسة شديدة نتيجة انقطاع العلاج عنه لفترات وهذه الانتكاسة تأثيرها أشد من الحالة الأولى ثم
إنهم بعد ذلك قاموا بتوزيعهم مرة أخرى على السجن كله وكأنهم يريدون أن ينشروا المرض في جميع أنحاء السجن وكان يدخل على من تبقى من المرضى في ذلك العنبر بعض القادمين من الخارج ليسكنوا معهم في نفس المكان فيجدون حالتهم سيئة وكأنهم أشباح في صورة آدميين فأجسادهم نحيلة وعظامهم تكاد تشق طريقها من ثناياها جلودهم ووجوههم شاحبة صفراء اللون وقد ارتسمت عليها آلام الحياة، وملابسهم رثة قد تمزقت أوصالها ولا يجدون ما يرقعونها به، كانوا يتحركون وكأنهم موتى قد خرجوا من قبورهم، تلك هي الصورة التي يراها القادمون إليهم من الخارج.
(كان هناك كثير من الأمراض التي انتشرت وخاصة الدرن بسبب ضعف جهاز المناعة نتيجة سوء التغذية وسياسة التجويع مع عدم الاهتمام برعاية المرضى وكذلك أيضا انتشرت الأمراض الفتاكة والخطيرة فقد توفى الأخ إبراهيم عقدة نتيجة إصابته بسرطان في الدم وقد أصيب شخص آخر بهذا المرض وتوفي بسبب الإهمال، وكذلك الأمراض الصدرية والجلدية نتيجة عدم وجود تهوية وانتشار الأتربة العالقة في الهواء، ولقد كان مكانا مناسبا لانتشار بعض الحشرات الغريبة مثل القمل الأبيض نتيجة عدم التعرض للشمس فكان يسرح في السجن كله ويتحرك بكثرة بدون قيود أو شروط من أحد وكان كثيرا ما يوقظنا أثناء النوم بسبب ما يسببه لنا من أكلان وكان لا يتركنا نهنأ بنومنا أو ساعات النهار وكأنه توافق مع إدارة السجن في تعذيبنا ولقد جربنا معه جميع الطرق السلمية لكي يفارقنا ولكننا فشلنا في ذلك وكنا نضع ملابسنا التي نرتديها في الماء لعله يموت فاكتشفنا أنه لا يموت بذلك فكان لابد من إعلان الحرب عليه فكنا عندما نستيقظ في الصباح نقوم بالبحث عنه بين طيات ملابسنا لنقتله وكنا نفعل ذلك كل صباح أثناء النهار أما في الليل لعدم وجود أي إضاءة فكنا لا نراه حتى من الله علينا وانتهى هذا البلاء وعندها أدركنا حجم البلاء الذي أرسل على فرعون وقومه ليكون لهم آية ونذير)
إقرأ أيضا : التعذيب بالطب
إقرأ أيضا : التعذيب بالطب