وسائل التغلب على الوحدة (ثقوب الحائط)





وسائل التغلب على الوحدة (ثقوب الحائط)

كانت الوحدة فى الزنزانة الانفرادية قاتلة بكل ماتعنيه الكلمة كان الحبس الانفرادى يدفع المحتجز لحافة الجنون والاكتئاب القاتل حتى تلك الزنزانة الانفرادية التى كنا نسكنها ثلاثة افراد كانت الشهور تمر ويصبح الثلاثة افراد فى حاجه ماسه للحديث مع غيرهم وكلما زاد عدد الزملاء زادت حركة الحياة واتسعت مساحة الحرية لذلك كنا نلجا لحفر الحوائط الفاصلة بين الزنازين حتى نصنع ثقبا من ثقوب الحرية ونفقا للتواصل مع عالم الزنزانة الاخرى التى تجاورنا فكنا نقوم بحفر الحائط باستخدام طوبة او قطعة من البلاط فنشق طريقنا بهذه الطوبة الصغيرة  وسط المحارة السميكة ووسط جدار الطوب الاحمر المزدوج كنا نحفر من جهة وزملاءنا يحفرون فى نفس المكان من الجهة الاخرى وتمر الايام والاسابيع حتى نتمكن من صنع ثقبا صغيرا ويكبر شيئا فشيئا حتى نستطيع ان نرى وجوه بعضن البعض من خلال الثقوب وحتى نتمكن من تبادل الاطعمة والمشروبات من خلال ثقوب الحائط وكنا نلجا وقت التفتيشات الى اعادة الطوب المنزوع مرة اخرى ونثبته بمعجون صابون الغسيل بعد خلطه بالتراب حتى يبدو كالمحارة الاسمنتية حتى يمر التفتيش ثم نعود مرة اخرى الى فتح الثقب وحين كانت تكتشف هذه الثقوب فى الحائط كان يتم معاقبة الزنزانة بالكامل ويعاد غلق الثقب مرة اخرى بالاسمنت كانت الثقوب المتتالية من زنزانة لاخرى تستمر حتى تشمل جانب العنبر بالكامل فتسطيع الزنزانة رقم واحد نقل طعام او شراب او مصحف او رسالة الى الزنزانة رقم تسعة عن طريق الثقوب بين الزنازين والتى وصلت فى بعض الاحيان الى درجة من الاتساع استطاع من خلالها مرور بعض الاخوة المعتقلين من صغار السن ونحيفى البدن فكانوا ينتقلون من زنزانة لا خرى عن طريقها اذكر ذات مرة اننا دخلنا الى عنبر جديد مبنى من الخرسانة المسلحة التى يستحيل ثقب حوائطها الا بادوات كهربائية واخذنا نبحث عن ثقوب فيها توصلنا الى الزنانة الخلفية فى الجانب الاخر من العنبر وبالفعل وجدنا دائرة صغير فى حجم العملة المعدنية وقد احاط باطارها لونا مختلفا قليلا عن لون الحائط واذا به اطارا من الصابون المعجون الذى ما ان نزعنا حتى وجدنا ثقبا الى الزنزانة الاخرى وباستخدام عصاه بلاستيكية طويلة استطعنا نزع غطاء الثقب من الجهة الاخرى للحائط فاذا بنا نرى من خلال هذا الثقب الصغير اخواننا من المعتقلين على الجهة الاخرى وكم كانت فرحتنا كبيرة بهذا الثقب اذ كان ممر التواصل بيننا وبين اخواننا وكنا نتبادل من خلاله التعرف على بعضنا البعض واحدا تلو الاخر ونتبادل الاطعمة والمشروبات بصنع خرطوما من الاكياس البلاستسكية نمرر من الطعام والشاى وهكذا كان اول شىء نبحث عنه اذا دخلنا زنزانة ثقب الحائط او نقوم بحفر واحدا حتى نتمكن من التغلب على الوحدة فى الزنزانة وحين تم تشييد العنابر ذات الجدران الاسمنتية التركيب والتى لايمكن حفرها كان الاخوة يلجئون الى حفرها بواسطة سكب المياه على الحائط وصعق الحائط بالكهرباء ثم الحفر وهكذا على التوالى حتى يتاكل الجدار الاسمنتى  وحين تم سجنى فى حبس التاديب الانفرادى كنت اقف على الباب واتحدث مع زميل لى فى زنزانة اخرى من خلال نافذة الباب ونطمئن على بعضنا البعض ونتبادل الحديث وسط ظلام الزنزانتين لنهون على انفسنا ساعات الوحدة وكنا فى الحجز الانفرادى نقوم بالصعود على الباب ونقوم بعمل الامسيات الفكاهية والشعرية والانشادية ونتسامر ونحن لا نرى بعضنا البعض واذكر اننا كنا نتحدث لمجموعة من الاخوة المعتقلين باستمرار كل ليلة لمدة ستة شهور كاملة دون ان نراهم او نعرف اشكالهم حتى شاهدناهم بعد نقلنا الى الدور العلوى وفتح الزنازين لمدة نصف ساعة فى ضوء النهار فيقول الاخ لاخية ءانت فلان فيجيبه نعم وانت فلان وكل منهما يعرف الاخر جيدا ولكن لا يعرف شكله ولا هيئته ويراه لاول مرة

من شهادة حسن على فى كتابه محنة الاسلاميين

كان الجزء الذي كنا فيه من العنبر مكون من عشرين زنزانة عشرة في مقابل عشرة بينهما طرقة ضيقة فكنا نتعامل وكأننا في زنزانة واحدة فكنا نتحدث مع بعض من حين لآخر ونطمئن على أحوالنا فربما يغيب أحدنا عن الوعي ولا أحد يشعر به لأنه يجلس لوحده لذلك ننادي على بعض من حين لآخر فكنا نتسامر ونسترجع الذكريات القديمة وإذا نزل أحدنا جلسة نيابة أو محكمة كنا ننتظره حتى نعرف أي أخبار سواء عن السجون الأخرى أو خارجية وكنا نتلهف على سماع الأخبار حتى لا نشعر أننا معزولون عن العالم.
وإذا أفلت مع أحدهم بعض الطعام أثناء الدخول وهذا نادرا ما يحدث حيث ممنوع دخول أي شيء فكنا نقوم بتوزيعه على بعض عن طريق نافذة الباب الصغيرة.


وكنا من حين لآخر نقوم بعمل مسابقات ثقافية يتخللها بعض الأناشيد كما كان يقوم البعض بإلقاء بعض الدروس المختلفة عبر نافذة الباب وكان الباقي يستمع من على الباب، كان الوضع في السجن كله تقريبا مثل أوضاعنا. ) 

إقرأ أيضا : وسائل مقاومة التغريب والنفى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق