الشهيد سيد قطب (5)




الأستاذ سيد قطب
الإنسان هو هذا الكائن بعينه بفطرته وميوله واستعداداته يأخذ المنهج الإلهي بيده ليرتفع به إلى أقصى درجات الكمال المقدر له حسب تكوينه ووظيفته ويحترم ذاته وفطرته ومقوماته وهو يقوده في طريق الكمال الصاعد إلى الله ومن ثم فإن المنهج الإلهي موضوع للمدى الطويل الذي يعلمه خالق هذا الإنسان ومنزل هذا القرآن ومن ثم لم يكن متعسفا ولا عجولا في تحقيق غاياته العليا من هذا المنهج.
إن المدى أمامه ممتد فسيح لا يحده عمر فرد ولا تستحثه رغبة فان يخشى أن يعجله الموت عن تحقيق غايته البعيدة . كما يقع لأصحاب المذاهب الأرضية الذين يعتسفون الأمر كله في جيل واحد ويتخطون الفطرة المتزنة الخطى لأنهم لا يصرون على الخطو المتزّن .
وفي الطريق العسوف التي يسلكونها تقوم المجازر وتسيل الدماء وتتحطم القيم وتضطرب الأمور ثم يتحطمون هم في النهاية وتتحطم مذاهبهم المصطنعة تحت مطارق الفطرة التي لا تصمد لها المذاهب المتعسفة.. فأما الإسلام فيسير هيّنا ليّنا مع الفطرة يدفعها من هنا ويردعها من هناك ويقوّمها حين تميل ولكنه لا يكسّرها ولا يحطّمها انه يصبر عليها صبر العارف البصير الواثق من الغاية المرسومة والذي لا يتم في هذه الجولة يتم في الجولة الثانية أو الثالثة أو العاشرة أو المائة أو الألف.
فالزّمن ممتد والغاية واضحة والطريق إلى الهدف الكبير طويل وكما تنبت الشجرة الباسقة وتضرب بجذورها في التربة وتتطاول فروعها وتتشابك . كذلك ينبت الإسلام ويمتد في بطء وعلى هيّنة وفي طمأنينة ثم يكون دائما ما أراده الله أن يكون ... والزرعة قد تسقى عليها الرمال وقد يأكل بعضها الدود وقد يحرقها الظمأ وقد يغرقها الري..
ولكن الزارع البصير يعلم أنها رزعة للبقاء والنماء وأنها ستغالب الآفات كلها على المدى الطويل فلا يعتسف ولا يقلق ولا يحاول إنضاجها بغير وسائل الفطرة الهادئة المتزنة السمحة الودود.. انه المنهج الإلهي في الوجود كله (ولن تجد لسنّة الله تبديلا).
أصالة الحق في هذا المنهج
والحق في منهج الله أصيل في بناء هذا الوجود ليس فلتة عابرة ولا مصادفة غير مقصودة . إن الله سبحانه هو الحق ومن وجوده تعالى يستمد كل موجود وجوده (ذلك بأن الله هو الحق و أن ما تدعون من دونه هو الباطل و أن الله هو العلي الكبير) وقد خلق الله هذا الكون بالحق لا يتلبس بخلقه الباطل (ما خلق الله ذلك إلا بالحق) .
(ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك) والحق هو قوام هذا الوجود فإذا حاد عنه فسد وهلك ( ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن) ومن ثم فلا بد للحق أن يظهر ولا بد للباطل أن يزهق ومهما تكن الظواهر غير هذا فإن مصيرها إلى تكشف صريح (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) والخير والصلاح والإحسان أصيلة كالحق باقية بقاءه في الأرض .
لا صلاح إلا في الرجوع إليه
انتهيت من فترة الحياة في ظلال القرآن إلى يقين جازم حاسم.. انه لا صلاح لهذه الأرض ولا راحة لهذه البشرية ولا طمأنينة لهذا الإنسان ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة إلا بالرجوع إلى الله.
والرجوع إلى الله .. له صورة واحدة وطريق واحد. واحد لا سواه . انه العودة بالحياة كلها إلى منهج الله الذي رسمه للبشرية في كتابه الكريم .. انه تحكيم هذا الكتاب وحده في حياتها والتحاكم إليه وحده في شؤونها وإلا فهو الفساد في الأرض والشقاوة للناس والارتكاس في الحمأة والجاهلية التي تعبد الهوى من دون الله ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون الهوى ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله . إن الله لا يهدي القوم الظالمين )

صورة: إيمان أو لا إيمان

إقرأ أيضا : الشهيد سيد قطب (6)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق