التعذيب بنقص الماء وتلوثها




 التعذيب بنقص الماء وتلوثها

كنا في معتقل دمنهور نعيش بدون مياه عذبة جارية حيث كانت المياه الوحيدة التي تدخل زنزانتنا مياه آبار مالحة صفراء اليوم تعكرها الرمال وقد تسببت في الفشل الكلوي لبعض المعتقلين ومع هذا فلم تكن هذه المياه متاحة لنا إلا ربع ساعة في الصباح وربع ساعة في المساء نقوم خلال هذه المدة القليلة بملء أوعية بلاستيكية وزجاجات بسرعة رهيبة نتسابق فيها جميعاً خوفاً من انقطاع المياه مرة أخرى وكانت هذه المياه نستخدمها في الحمام وغسيل أوعية الطعام وغسيل الملابس والاستحمام وقد كنا في الزنزانة 21 معتقل كل واحد منا يحتاج للاستحمام في ظل الحر والعرق الشديد وفي حاجة لغسل ملابسه البيضاء التي اصفر لونها من قلة الغسيل وردائة المياه وكثافة العرق، ثم نحن في حاجة إلى الوضوء أو استخدام الحمام وكانت الأوعية البلاستيكية في الزنزانة لا  تكفي لهذا كله، فكنا نكلف أخ من بيننا ونعينه كمسئول عن المياه في الزنزانة يحدد لكل شخص نصيبه من الماء فيقول للأخ مثلاً نصيبك اليوم نصف دلوً من الماء فإما أن تستحم وإما أن تغسل ملابسك وكنا نضطر بالطبع لغسل الملابس بطرق غير تقليدية لاستهلاك أقل قدر ممكن من المياه وكذلك الاستحمام إذ كنا نستحم بصب كميات قليلة من الماء شيئاً فشيئاً على أجسادنا خوفاً من نضوب المياه وقد ينفذ الماء من أحدنا فيستعير من أخيه كوباً من الماء يكمل به حاجته، هذا بالنسبة لهذه المياه.
أما مياه الشرب فكان يأتي الشاويش مرة كل صباح يسمح لبعضنا بالخروج لعدة دقائق إلى حوش العنبر وبه صنبور للماء العذب نقوم بملء الزجاجات البلاستيكية الفارغة ثم نعود مسرعين إلى الزنزانة مرة أخرة. وهذه المياه التي عبنائها في زجاجات نقوم باستخدامها في طهي الطعام وصنع الشاي والشرب وفي بعض الأحيان كنا نضطر لإلغاء الشاي حفاظاً على المياه للشرب وكان الأخ المسئول عن المياه في الزنزانة يحدد لكل واحد منا نصيبه من ماء الشرب زجاجة أو نصف زجاجة حسب الكمية المتاحة لنا التي تمكنا من ملئها هذا اليوم.

من شهادة حسن على فى كتابه محنة الاسلاميين

(أما مياه الشرب فليس بأفضل من الطعام إلا في رداءتها فكانت تأتي من الترعة مباشرة دون أي تنقية فكان لونها أسود نتيجة الطينة والتراب والأوساخ العالقة فيها وكنا عندما نترك الزجاجة فترة نجد طبقة مترسبة من الطينة في القاع وأحيانا نجد بعض القواقع والطحالب العائمة تسبح في الماء بل وأحيانا نرى بعض الأسماك الصغيرة تنزل من الحنفية.

(كان فى كل زنزانة جردلان وأحيانا جردل واحد فقط أحدهما به ماء نظيف للشرب والوضوء وغير ذلك وآخر فارغ يتم فيه الوضوء وقضاء الحاجة وكان لا يتم الخروج إلا في الصباح فقط لتعبئة جردل ماء الشرب وإفراغ الجردل الآخر وكان في البداية يسمح لهم بقضاء الحاجة في دورات المياه لأنه لا يوجد دورة مياه داخل الزنزانة ثم منعت بعد ذلك فكان لا يوجد قضاء حاجة في الخارج أبدا بل كان يتم ذلك في جردل داخل الزنزانة فكان يسبب معاناة فوق المآسي الأخرى والتي لا تنتهي.
وكان بالطبع جردل واحد لا يكفي لكل شيء وخاصة إذا كانوا ثلاثة أفراد فكان يخصص للشرب والوضوء فقط أما الاستحمام أو غسيل البدلة فكان حلم بعيد المنال فكان بعضهم لم يستطع الاستحمام إلا مرة واحد في العام والسعيد فيهم من يستحم مرتين.
لم يكن عامل قلة كمية الماء فقط هو الذي منعهم فكان هناك عوامل أخرى تمنعهم من الاستحمام فالزنزانة ضيقة وبها ثلاثة أفراد وهي ضيقة جدا، كما أنه لا يسمح بخروج أي نقطة ماء من أسفل الباب إلى الطرقة وإذا حدث ذلك كان أقل عقاب هو عدم خروجهم في ذلك اليوم لتعبئة جردل الشرب أو رمي ما في الجردل الآخر وكان ذلك معناه أنهم لا يجدون ماء للشرب حتى اليوم التالي وكذلك لا يستطيعون أن يقضوا حاجتهم لأن الجردل الآخر به ماء إلى نهايته وهذا هو ما حدث مع بعض الزنازين فعندما غسل أحد الإخوة وجهه فانساب بعض الماء إلى خارج الباب فعرف الحارس وكان اسمه رمضان أن الماء خرج من عندهم فمنعهم من الخروج فأخذوا يعتذرون إليه لكي يسمح لهم بالخروج وهو يرفض أي توسلات وكان يقول أنا يهودي ومعاملتي أسوأ من اليهود معكم ورفض إخراجهم ذالك اليوم فتحاملوا على أنفسهم إلى اليوم التالي.)

(كانت الأطباق البلاستيك والتي سمحوا لنا بها بعد ذلك كانت تستخدم لأغراض مختلفة فهي في الليل تستخدم كمخدة نضعها تحت رؤوسنا لننام عليها وكانت غالبا لا تكفي الأعداد كلها فكان البعض يضع يده كبديل لينام عليها وأما في النهار فهي لاستلام الطعام و
كانت أيضا لتخزين الماء والذي كثيرا ما تنقطع لعدة أيام وقد وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من ثلاثين يوما حتى إن الكثير كان لا يستطيع أن يتحرك بسبب قلة الماء في هذا الحر الشديد وشدة العطش وكان يوزع خلال هذه الأيام كمية قليلة جدا لكل زنزانة بعد عناء شديد وإلحاح في المطالبة حتى سمحوا بتوزيع هذه الكمية والتي كانت ممزوجة بالصدأ نتيجة سوء التخزين وقد أصيب البعض بأمراض في الكلى بسبب هذا الصدأ، فعندما يكون الماء قليل كنا نقنن استخدامه فيكون للشرب فقط أما باقي الاستخدامات فهي بعيدة المنال حتى إن الصلاة كنا نتيمم لها وأحيانا لا نجد التراب للتيمم فكنا نصلي فاقد الطهورين.)

إقرأ أيضا : التعذيب بالحرمان من الدراسة





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق