أسلوب معرفة كل شيء :
وهو أحد أساليب
الخداع، يقوم على الإيحاء القوي والتأثير النفسي، بقصد إيهام الاخ أن
المحقق يعرف كل شيء عنه، ويحاول السيطرة عليه نفسياً ويقوم هذا الأسلوب
على مجموعة ثوابت عامة تشكل آليات العمل ومصطلحاته النظرية، ووضعها في
إطار تطبيقي عملي يتألف من مقدمات ونتائج، للوصول إلى طرف خيط أو اعتراف.
عادة ما يكون
المحقق الذي يطبق هذا الأسلوب على دراية بعلم النفس، ويدرس ملف الأخ
المعتقل بشكل كامل من الناحية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية مستنداً
إلى المعلومات التي جمعها الجهاز ومجموع هذه المعلومات يشكل خلفية كاملة
ينطلق منها المحقق ويبدأ في دراسة نقاط القوة والضعف لدى الأخ،
ويوظفها في آلية التحقيق فلو كانت المعلومات - مثلاً- تدل على أن
المعتقل لم ينه دراسته بينما هو شخص ذكي ولديه أرضية تعليمية وثقافية،
فهذا يؤشر على أن سبب ترك الدراسة ليس راجعاً إلى عامل شخصي، إنما
لأسباب خارجية كالعوامل المادية مثلاً أو لانشغال المجاهد بأمر آخر غير
الدراسة فإذا تبين أن الوضع المادي للمجاهد جيد، فهذا يعني أشغالا أكبر
أهمية لدى المجاهد من الدراسة منعه عنها وهذا مجرد مثال لطريقة ربط
المعلومات وتحليلها.
وغالباً ما يلجأ
المحقق لإحداث شعور بتفوقه وعلمه الغزير لدى المجاهد، فبعد أن يسأله عن
اسمه وعمره وأحواله الخاصة، يبدأ بحديث فكري وتاريخي، ويطرح على
المجاهد أسئلة تتدرج من سهلة معروفة إلى أخرى تتطلب إجابات من له إلمام أو
معرفة عميقة بالموضوع، فيسأله مثلاً عن أحداث في التاريخ الإسلامي وعن
الفرق الإسلامية، ثم يتوقف ويطرح سؤالاً عن.. المعتزلة؟ والقصد من هذا
الحوار المقصود أن يكون أعلى من المستوى الفكري للأخ لخلق حالة فوقية
ويركز المحقق خلال "الحوار" بصره بقوة وبثبات في عيني الأخ
ليصنع حالة من التأثير المباشر والسيطرة، وليوحي أنه شخص قوي يعرف كل
شيء، وليغرس بالمقابل في نفس المعتقل إحساساً بالضعف وقلة المعرفة وقد
يتكرر هذا الأسلوب في عدة جلسات متوالية، وعندما يظن المحقق أنه حقق
قسطاً من السيطرة على المعتقل يدخل في صلب الموضوع، أي يدخل في
التحقيق الذي يهدف إلى انتزاع معلومات أو اعترافات.
يحاول المحقق أيضاً
أن يغرس في نفس المعتقل قناعات تتناقض مع رسالته النضالية التي اعتقل
من أجلها، وأن يغسل بعض القناعات الموجودة لديه من أجل تحقيق إنجاز
يدوم أثره بعد التحقيق وبعد مرحلة السجن أيضاً، إنجاز يؤثر على محيط المناضل
الاجتماعي كله فقد يكرر بشكل مباشر أو بواسطة الإيحاء بالقوة والمعرفة
والتفوق، إن النظام الحاكم قوي جداً، وأن الاسلاميين ضعفاء، ولا مجال
لكسب المعركة، ومن الأفضل تقبل واقع الهزيمة، والركون إلى المصالحة مع
الأمر الواقع وأن جهاز أمن الدولة أقوى جهاز امنى فى البلد.. "نحن نعرف
كل شيء ألا ترى بنفسك؟" وأنهم يعرفون كل التفاصيل وأدق الأمور
وقد يقطع المحقق
مجرى الحديث فجأة ويوجه كلامه مباشرة إلى المعتقل لماذا تركت دراستك،
رغم أنك ذكي؟!.. أنا أقول لك السبب.. نحن نعرف عنك كل شيء ويبدأ بسرد
كل المعلومات التي يعرفها أمام الاخ، موحياً أن الواقع الاسلامى مخترق منذ
سنين، وأن اخوته ورفاقه اعترفوا بكل شيء وان المسألة برمتها باتت
مكشوفة تماماً للامن ويقول المحقق "..المهم، أنا أريد أن أعرف فقط
هل تكذب علينا أم لا؟!" واريد منك أن تكون فقط صادقاً معنا ثم إن
اعترافك لمصلحتك حتى نستطيع إغلاق الملف بسرعة، وإنهاء التحقيق، وفي حالة
اعترافك لن ينالك منا أذى، وإنهاء التحقيق، وفي حالة اعترافك لن ينالك
منا أذى، ولن نحكم عليك بالسجن، ربما لفترة رمزية فقط "..لكن إن
أنكرت فستتعب كثيراً، وستنال حكماً قاسياً وطويلاً ... ".
إذا استغفل المحقق
الاخ وخدعه بحيلته، واستطاع أن يوهمه أنه يعرف عنه كل شيء، فسيقع
الاخ في الفخ وتبدأ الإجابات تتالى كالسلسلة...
وعبر سلسلة الإجابات
قد يجد المحقق ثغرات وارتباكات في أقوال المعتقل، فيلجأ للتهديد
باستخدام القوة، أو قد يتعرض المعتقل للضرب في هذا الأسلوب ولكنه لا
يتعرض للتعذيب بشكل حقيقي في هذا الأسلوب والضرب هنا يأتي كمجرد تخويف
أو من باب إدخال أسلوب على أسلوب، أي استعمال أسلوب الارتباط الشرطي بين
الكذب "أو كشف الثغرات في الأجوبة" وبين الضرب، وهذه الطريقة
تخلق لدى الأسير استعداداً نفسياً أو ضعفاً في الموقف المتحدي للمحقق
بحيث تضعف إرادته كلما أعطى معلومات، وأصبح استعداده بالتالي أكبر لإعطاء
معلومات جديدة.
يظهر مما تقدم أن
الأساس في نجاح عمل المحقق هو استجابة المعتقل للخدعة التي يحاول
تمريرها هذا الأسلوب فإذا تغلبت إرادة الاخ ويقظته انهزم المحقق وباء
أسلوبه بالفشل.